نافذة على


نافذة على التفسيرالمنظبط



التفسير
بين الأصالة والتجديد

(دراسة تأصيلية)


الدكتور
عامر نايف حمد الزوبعي

جامعة لمدينة العالمة – كلية دراسة القرآن والسنة
2013 م – 1434هـ

التفسير بين الأصالة والتجديد
المبحث الأول
الأصالة في التفسير

المبحث الثاني
التجديد في التفسير
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على خير الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صادق الوعد الأمين:
          فإن هذ القرآن لا يشبع منه العلماء ولا يمله الأتقياء ، لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، وحري بهذا الكتاب المعجز أن يكون محور الدارسين في تأصيل علومه ومعارفه ومنبع جواهره ولألئه، وانشغال العلماء عن ذلك نقص في العلم وتقصير في الدين، فإن أولى ما يُشتغل به هو كتاب الله تبارك وتعالى، وفي هذا البحث المتواضع تناولت طرفا يتعلق بهذا العلم "علم بيان القرآن" التفسيره الذي كلف النبي ببيانه فقال: ﴿ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم﴾ /، ونحن مكلفون بهذا البيان قدوة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الطبيعي أن يكون لهذا العلم من تأصيل وأن يشمله التجديد بما لا يخرجه عن حده وعن مساره ، فكانت هذه الصفحات، جهدا أتقرب به إلى الله وشيئا أنفع به المسلمين، ومساهمة في رفد المكتبة التفسيرية، بقبس من ضياء، والله الهادي إلى سواء السبيل.


المبحث الأول : الأصالة في التفسير
لقد امتازت العلوم الإسلامية بكونها تتركب في الغالب من شق نظري وشق تطبيقي، و أبرز مثال على ذلك الفقه الإسلامي الذي يمثل الجانب التطبيقي، حيث واكبه علم أصول الفقه الذي يمثل الجانب النظري، وقل نفس الشيء بالنسبة لعلم الحديث، فمنه الجانب التطبيقي الذي يهتم بالرواية، وهو المتعلق بالنصوص الحديثية تحملا وأداء، ومنه الجانب النظري وهو علم الدراية أو أصول الحديث، وكما للفقه أصوله، وللحديث أصوله، فللغة أصولها.
لكن علم التفسير بقي خاليا مما هو أجدر أن يتحصن به، وهو هذا الجانب النظري الذي نصطلح عليه: (علم أصول التفسير)، إن الحديث عن الفراغ الذي تشكوه المكتبة القرآنية في علم أصول التفسير، يتطلب منا الوقوف على ما أنجز من الدراسات القرآنية للوقوف على هذه الجوانب النظرية وتتبعها.
لا ينكر أحد كثافة الدراسات التي أنجزت عن القرآن الكريم وما يتعلق به ،كما لا ينكر أحد تعددها واتساعها ، حتى ليمكن القول إنه لا يوجد كتاب على وجه الأرض درس كما درس النص القرآني ، بل عدت دراسات كثيرة من أوجه الترف العلمي، بل إن علوما كثيرة إنما قامت من أجل فهم كتاب الله تعالى وخدمته حتى اصطلح على قسم منها علوم الآلة، فتراث الأمة العلمي إنما قام حول القرآن وهذا ما جعل مصطفى الصاوي الجويني يقول: ويهول الدارس أن يجد تراثا ضخما يتجه كله إلى خدمة النص القرآني، كتراث علماء الإسلام.
وفي محاولة عرض إهتمامات المفسرين وتخصّصاتهم العلميّة، يمكن تسجيل ذلك التنوع الذي يغطي أو يكاد كل التخصّصات المعرفية، ألتي عرفها الفكر الإسلامي بمفهومه الواسع، فلقد أقام كل عالم صلة له بكتاب الله، وأسهم في تفسيره سواء بتفسير القرآن كاملا وهو المقصود، أو أجزاء منه وهو ما لم يتركه أحد إلا قليلا.
إن حضور النص القرآني في تراث الأمة حضور واضح وجلي، تتنوع مساحات هذا الحضور اتساعا وضيقا وتختلف درجات التأثر قربا أو بعدا، وتتعدد مظاهر الاستدلال وتختلف أشكال التناول، حتى لا تكاد تفتح كتابا إلا وجدت النص القرآني حاضرا فيه نصا أو مضمونا، آية أو آيات.
إن حرص كل عالم ومن ثم كل فرقة أو مذهب على التأصيل لمفاهيمه من القرآن الكريم، والعمل على إقامة الحجة منه على إختياراته العلمية أدى بلا شك، وكما هو معلوم إلى كثير من الانحراف في التفسير فضلا عن الكثرة والاتساع في الإنتاج وهذا من أهم مبررات قيام علم أصول التفسير.
ثم بعد ذلك نقول لقد أدرك العلماءُ المنصفون قيمةَ تفسير الصحابة رضوان الله عليهم للقرآن الكريم، وأثنَوا على عمقِ فهمِهِم وَحُسْنِ تدُّبرهم ، وفي ذلك  يقول الإمام الشاطبيُّ وقد أرجَعَ نبوغَهم في التفسير إلى أمرينِ:
أحدهما: معرفتهم باللسان العربي فإنهم عرب فصحاء لم تتغير ألسنتهم ولم تنزل فصاحتهم عن رتبتها العليا ، فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قولٌ أو عملٌ واقعٌ موقعَ البيانِ صَحَّ اعتمادُهُ من هذه الجهة.
والثاني: مباشرتهم للوقائع والنوازل وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة، فهم أقعدُ في فهمِ القرائنِ الحاليَّةِ وأعرفُ بأسبابِ التنزيلِ، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهدُ يرى ما لا يرى الغائبُ، فمتى جاء عنهم تقييدُ بعضِ المطلَقَاتِ أو تخصيصُ بعضِ العموماتِ فالعملُ عليهِ صوابٌ، وهذا إن لم ينقلْ عن أحدٍ منهم خلافٌ في المسألةِ، فإن خالفَ بعضُهُم : فالمسألةُ اجتهادِيَّةٌ".( [1] )
         "فلقد كانت الآيات تتنـزَّلُ في أمورٍ باشرُوها بأيديهم أو أبصرُوها بأعينِهِم، أو خاضوا غِمَارَها فعاشوا حُلْوَهَا وَمُرَّهَا، وَفَرَحَهَا وَحُزْنَهَا، وكابدوا معاناتَهَا، وأدركوا ملابساتِهَا، فكانت الآياتُ تقعُ في قلوبهم مواقِعَهَا، فعنها يَصْدُرُون، وإليها يَرِدُون ورودَ الظامئ إِلى الماءِ الباردِ".( [2] )  
وفي هذا يقول سيد قطب: "إنهم - في الجيل الأول - لم يكونوا يقرؤون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع، ولا بقصد التشوق والمتاع، لم يكن أحدهم يتلقى القرآن ليستكثر به من زاد الثقافة لمجرد الثقافة، ولا ليضيف إلى حصيلته من القضايا العلمية والفقهية محصولاً يملأ به جُعْبَتَهُ.
إنما كان يتلقى القرآنَ ليتلقى أمرَ الله في خاصةِ شأنِهِ وشأنِ الجماعةِ التي يعيشُ فيها، وشأنِ الحياةِ التي يحيا بها هو وجماعتُهُ، هذا الشعورُ، شعورُ التلقي للتنفيذِ، كان يفتح لهم من القرآن آفاقًا من المتاع، وآفاقًا من المعرفة، إن هذا القرآن لا يمنحُ كنوزَهُ إلا لمن يُقبل عليه بهذه الروحِ، روحِ المعرفةِ المنشئةِ للعملِ".( [3] )
وكلُّ من حمل لواء الدعوة وهمومها وجاهد في سبيل إعلاء كلمة الحق، "فله في معايشة القرآن ولذة قراءته وفهم معانيه وتدبُّر مقاصده حظًّا وافرا يُفْتَحُ له، بِحَسْبِ جهادِهِ وعلمهِ وبذلِهِ ويقينِهِ وصبرِهِ، وبحسبِ المواقفِ التي مرَّتْ بِهِ، وقد ذكَرَ القرآنُ نظائِرَهَا في حياةِ الأنبياءِ وأتباعِهِمْ، وكلُّ مؤمنٍ يحملُ نصيبًا مِنْ حَمْلِ رسالةِ القرآنِ، سيعيشُ مع الآياتِ تدبّرًا وتأثرًا ما كان يعيشُهُ في أرضِ الواقعِ، معاناةً وجهادًا ودعوةً وعطاءً". ( [4] )
من هنا كانت أهمية أن يتعايش المفسِّرُ مع القرآن بكل جوارحه ويجمعُ له شتات روحِهِ وأركانَ فؤادِهِ، ليعيش بكلِّ ذرة من ذراتِهِ وكلّ خَلَجَةٍ من خلجاتِهِ، ويتعايشَ بمشاعِرِهِ وَوُجْدَانِهِ مع كتابِ اللهِ تعالى، هُنَالِكَ تنجلي له الحقائقُ وتتفجرُ له ينابيعُ المعاني وتضيءُ له مشاعلُ الهدى فيسيرُ على هدى وبصيرة.
قال إبن القيم رحمه الله: "قاعدة جليلة: إذا أردت الإنتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوتِهِ وسماعه، وأَلْقِ سمعَك واحضُرْ حضورَ من يخاطبُهُ بِهِ من تكلَّم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطابٌ منه لك على لسانِ رسولهِ (صلى الله عليه وسلم) قال تعالى: ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَذكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلبٌ أوْ ألقى السَمْعَ وَهوَ شَهِيدْ سورة﴾ (ق/37) .  
وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثِّر مقتضٍ ومحلٍّ قابلٍ وشرطٍ لحصولِ الأثرِ وانتفاءِ المانعِ الذي يمنع منه تضمنتْ الآيةُ بيانَ ذلك كلِّه بأوجزِ لفظٍ وأبينِهِ وأدلِّه على المراد، فقوله تعالى:﴿ إنَّ في ذَلِكَ لَذكْرى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلبٌ أوْ ألقى السَمْعَ وَهوَ شَهِيدْ ﴾ أشار إلى ما تقدم من أول السورة إلى هاهنا وهذا هو المؤثِّرُ،  وقوله: ﴿لمن كان له قلب﴾ فهذا هو المحل القابل، والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله وحيه، كما قال تعالى: ﴿وَجاءَ بِقَلبٍ مُنِيبْ﴾أي حي القلب وقوله: ﴿ألْقَى السَمعَ﴾ أي وجَّه سمعَه وأصغى حاسَّةَ سمعِهِ إِلى ما يقالُ لَهُ، وهذا شرطُ التأثُّرِ بالكلامِ، وقوله: ﴿وَهوَ شَهيدْ﴾ أي شاهدُ القلبِ حاضرٌ غيرُ غائبٍ".( [5] )
فلا بدَّ من حضور القلب وصفائه، حتى يرى تلك المعاني بوضوح وجلاء، ويحيا بها عملا وسلوكا ودعوة وتربية وجهادا، فكلما تفرَّغَ القلبُ من همومِ الدنيا ومشاغِلِهَا، وكلما طَهُر من التعلُّقِ بها وجعل الآخرةَ همَّه وشُغلَه كلما تَجَلَّتْ له المعاني وأقبلتْ عليه اللطائفُ وَحَضَرَتْهُ الفوائدُ .
وقال الإمام الآجرِيُّ رحمه الله: "وإذا دَرَسَ القرآنَ فَبِحُضُورٍ وَفَهْمٍ وعقلٍ، هِمَّتُهُ إيقاعُ الفهمِ لما ألزمه اللهُ من إتباعِ ما أمرَ والإنتهاءِ عما نهى عنه وَزَجَرَ" .( [6] )
وفي هذا المعنى يقول عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو أن قلوبَنَا طَهُرَتْ ما شَبِعْنَا من كلامِ ربِّنا، و إني لأكرهُ أن يأتيَ عليَّ يومٌ لا أنظرُ في المصحفِ"،( [7] )  ولقد استُشهد رضي الله عنه والمصحفُ بين يديه، فكان آخرَ عهدِهِ في الدنيا كتابُ الله تعالى  .
وإنَّ مِنْ وسائلِ معايشةِ القرآنِ الكريمِ، تتبعَ أسبابِ نزولِهِ وتدرُّجِ آياته، وإطالةَ النظرِ في أحوالِ من نزلَ القرآنُ في شأنهم، وما سبق نزولُهُ أو صاحبَهُ أو لَحِقَهُ من ظروفٍ وملابساتٍ ووقائعَ ونوازلَ .
وفي هذا يقول الشيخ الشهيد عبد الرحمن الميداني رحمه الله: "على متدبِّر كتاب الله تعالى أن يضع في اعتباره الأمور التالية:
الأول: تَصَوُّرُ العصرِ الإسلاميِّ الأولِ ، وواقعِ حالِ الذينَ كانت تتنَزَّلُ عليهم الآياتُ القرآنيةُ لتعليمِهِم
وتوجيهِهِم وتربيتِهِم، ويدخل في هذا تَصَوُّرُ بيئتهم العامة، ومفاهيمهم التي كانت سائدة بينهم بوجه عام.
الثاني: تَصَوُّرُ الحالة النفسية والفكرية والاجتماعية التي كانوا عليها، حين نزول الآيات الموضوعة للدراسة، وذلك بشكل خاصٍّ .
الثالث: تَصَوُّرُ الظرفين الزماني والمكاني اللَّذين أنزلت فيهما الآيات". ( [8] )
قلت : ومنهجُ القرآنِ يختلفُ عن المناهجِ الوضعيةِ الجائرةِ والقاصرةِ، التي لا تطبيقَ لها في الواقع، وإنما في عالم الخيال والتوهم والتمني، التي صوَّرَهَا لنا الفلاسفةٌ فَبَنَوا لنا مدائنَ من الرمال، على شواطئ الأحلامِ، وشيَّدوا لنا ممالك من الأساطير والأوهام، كيفَ وبينَ أيدينا منهجٌ ربانيٌّ فطريٌّ واقعيٌّ؟ ونحن بأمس الحاجة إليه! لكنَّ كثيرا من الناسِ في غفلةٍ أو إعراضٍ عنه وحالُهم، كما قال طُرْفَةُ بنُ العبدِ :
كالعيسِ في البيداءِ يقتُلُهَا الظَمَا                والماءُ فوقَ ظُهُورِهَا محمولُ
فعلى المفسر: أن يحددَ أهدافَهُ من كتابةِ التفسيرِ قبل أن يَشْرُعَ فيه وينبغي أن تكون تلك الأهدافُ مواكبةً كما ذكرنا لأهدافِ القرآنِ ومقاصِدِهِ، ولقد أشار بعض المفسرين إلى ضرورة مراعاة مقاصد القرآن، وجعلِها زادا ونبراسا .
وما: تقدم يعتبر هو الركيزةُ الأساسيةُ والدُّعَامَةُ التأسيسية لهذا البناءِ، وهي الجذورُ الممتدَّةُ العميقةُ لتلك الشجرةِ الوارفةِ الظلال والوريقة، ( [9] ) المتجددةُ العطاءُ، المتشعبةُ الأفنانُ المتعددةُ الألوانُ.
وتظهر هذه الأصالة في ثلاث أمور هي:  
أصالةٌ في الأصول: وذلك بالرجوعِ إلى المصادرِ الأصيلةِ في التفسير: تفسيرُ القرآنِ بالقرآنِ، فالقرآنُ الكريمُ يفسِّر بعضُهُ بعضًا، وهذا يؤكدُ أهميةَ النظرةِ الكليَّة الشاملة والموضوعية لآيات القرآن، فحين نجمعُ الآياتِ في الموضوعِ الواحدِ تتولَّدُ لدينا كثيرٌ من المعاني والاستنباطاتِ، هذا فضلا عن تفسيرِ القرآنِ بالسنةِ النبوية فهي الشارحة والمبينةُ والمقررة لأحكامه ومعانيه ومقاصده ومراميه وقصصه وأمثاله، ومن المصادر الأصيلة أيضا تفسير القرآن بأقوال الصحابة، وقد عرغت أهمية تفسيرهم وقيمته العلمية، وكذلك الرجوع إلى تفسير التابعين فهم تلامذة الصحابة وحاملو علمهم وفقههم، وقد اجتهدوا بين أيديهم فأقروهم على اجتهادهم.
الأصالة في المنهج: الذي يرتكز على تفسير السلف للقرآن من خلال التزامهم بالمنهج الأصولي، الذي علمهم إياه ورسمه لهم النبي الكريم، ولا يتوقفون عنده وإنما يجعلونه منطلقا إلى آفاق وحي الله تعالى مصداقا لقوله تعالى: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق﴾ (فصّلت /53) .
الأصالة في المصادر: بالرجوع إلى كتب التفسير بالمأثور والرأي الممدوح، فلا يمكن أن يُفسر القرآن بعيدا عما كتبه المتقدمون من هذا التراث الزاخر، الذي أثرى مكتبة التفسير وعلوم القرآن، ومن شمولية في المنهج أن يرجع إلى كل ما يتيسرُ له الرجوعُ  إليه من كتب التفسير المعتمدة .
والمقصد من ذلك نقول أن الأسس العلمية التي نرجع إليها حال الاختلاف في التفسير، لكي نعرف
 المعنى الصحيح مما وقع فيه الإختلاف، ينبغي أن تكون هي الأسس الصحيحة والمعتبرة والتي قعّد لها النبي (صلى الله عليه وسلم)، وسار عليها والتزم بها صحابته والتابعين لهم بإحسان من بعده، وكذلك لكي نفسّر القرآن على صواب ولا يقع عندنا خلل، لأن أي مفسّر إذا أراد أن يفسّر القرآن، وليس عنده أصول منضبطة يستند عليها، فلا شك أنه سيقع في أخطاء كثيرة من قبيل التفسير بالرأي المذموم، ولأن هذا النوع من باب التقول على الله بغير علم  فلا نستند إليه .
 فمثلا إذا ورد تفسير عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بروايات صحيحة لا مغمز فيها، كان ذلك أصل أصيل ولا يجوز القول بخلافه، هذه قاعدة أصوليّة، فلا أحد يقول على قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)  شيء، فنحن إذا جئنا لنفسّر آية ما، وقد جاءنا تفسير عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، في هذه الحالة ماذا نفعل؟ نقف عنده، لأن هذا يشكل عندنا أصل، لكن لو لم يكن هذا الأصل موجود، أو كان هذا الأصل منتقض عندنا، كأن يكون باطلا أو ليس من أصول وضوابط التفسير فلا نعمل به، فإذا اعتقدنا أنه يجوز مخالفة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقعنا في كبيرة، وكان عندنا خلل في التعامل مع القرآن عندما نخالف تفسير النبي (صلى الله عليه وسلم) .
فإذن المقصد من ذلك أنه قد تكون هناك بعض الأصول التي يقع فيها خلل، ولكي لا يكون ذلك  فلا بد أن نركز على بيان الأسس العلمية الصحيحة، التي نتعامل بها ونحن نتعرض لتفسير القرآن، أو حال اختلاف التفسير أو حال بيان كلام الله سبحانه وتعالى، فإذا أردنا أن نبني على ذلك فلا بد أن نعرف ما هي الموضوعات والقواعد التي سنتكلم فيها من أجل تمام الصورة في هذا المجال.
إنها الأصول والقواعد التفسيرية، والتي سنتحدث عنها بإسهاب في مبحث آخر، وقد حرصنا هنا أن نكمل الحديث عن النصف الثاني والمكمّل له وهو التجديد في التفسير .

المبحث الثاني: التجديد في التفسير
إن الواقع الذي أفرز هذا الكم الهائل من التراث التفسيري ،والذي نتج عنه كثافة على المستوى التطبيقي في التفسير، لم ترافقها في نفس المستوى إنتاجات نظرية تضبط التفسير وتؤصل له، وبالعودة إلى المعاجم التي أحصت مجمل الدراسات القرآنية المطبوعة منها والمخطوطة، يتأكد هذا الذي قيل، فمعجم مصنفات القرآن الكريم لإسحاق شواخ، أو معجم الدراسات القرآنية لابتسام مرهون الصفار، خير شاهد على ذلك .
من أجل ذلك ينطلق هذا البحث من فرضية مفادها: أن تأصيل التفسير وتجديده، علم مستقل بكل ما تعنيه كلمة علم من معان وأبعاد، كما ينطلق البحث من فرضية أخرى مفادها: أن هذا العلم إن لم نقل أنه لم يقم بعد، فهو بدون أدنى تردد لا يزال في حاجة ماسة إلى جهود كثيرة لإبراز مباحثه والتعريف به وبلورته ، وإخراجه في صورة علمية مرضية، تليق بشرف مادته التي هي القرآن، فالمحاولات التي كتبت في هذا الباب يوجد بينها تضارب في الإصطلاح والمضمون وهو ما سنفصله لاحقا .
ومن الغريب فعلا أن يوجد من يقول إن التفسير في حد ذاته، ليس علماً ويرتب على ذلك أن لا حاجة لوضع تعريف له وهو ما يشير إليه الذهبي حين يقول: "يرى بعض العلماء أن التفسير ليس من قبيل العلوم التي يتكلف لها الحد؛ لأنه ليس قواعد أو ملكات ناشئة من مزاولة القواعد كغيره من العلوم التي أمكن أن تشبه العلوم العقلية" .
وهنا يظهر أثر غياب علم تأصيل التفسير، لأنه برر عدم الحاجة إلى وضع حد بأنه "ليس له قواعد أو ملكات ناشئة عن مزاولة القواعد"، وبغض النظر عن حدود كلمة "قواعد" يتم التأصيل على أساسها، والتي تشكل مع أصول التفسير التي جائتنا عن طريق كتاب الله تعالى، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وما قعّده الصحابة، فمن تلك القواعد والأصول ينطلق تأصيا التفسير وتجديده، ففي النص إشارة واضحة أنه بسبب غياب هذه القواعد وعدم تأصيل الأصول المعتبرة لا يرقى التفسير إلى مقام العلم .
فالذي أحسبه واجب الوقت على الجيل الحاظر هو .
1.    إخراج التراث التفسيري للأمة :بدءا من خير القرون فالذين يلونهم فالذين يلونهم، إخراجا علميا قد وُفّيَ حظه من التوثيق سندا ومتنا.
2.    دراسة ذلك التراث بهدف استخلاص علم أصول البيان والتفسير وقواعده وضوابطه كما تجلت في عمل خير القرون فالذين يلونهم فالذين يلونهم، أو في أنظار من تلا ودوّن في مقدمات أو كتب، أو شذرات منثورة في بطون الكتب، أو إشارات مبثوثة هنا وهناك.
3.    بناء علم البيان القرآني( [10] ) أو علم التفسير إنطلاقا من تلك المستخلصات بعد تصنيفها، و تحليلها، و تعليلها ، وتقويمها ، وإضافة ما يلزم إضافته إليها.
فما عدا الخطوة الأولى ، فإن الخطوتين التاليتين يندرجان في صميم الموضوع ، وما الأولى عنه ببعيدة فلا يتصور بناء لعلم أصول التفسير إلا انطلاقا من تراث الأمة التفسيري ، والذي على رأسه ولاشك تراث خير القرون " الجيل الراشد ومن تبعه بإحسان ، وفي عملهم التفسيري تكمن أساسيات علم بيان القرآن ، و المنهج التفسيري الراشد."  ونعترف ابتداءا حقا إنه لشاق استنطاق العمل لاستخلاص الأصول والقواعد لكنها خطوة لابد منها ليقوم علم طالما حزّ في النفس ألا يكون نضج ولا احترق .
وقد عد بعض العلماء منهم الدكتور الشاهد البوشيخي  واقع علم أصول التفسير ثالث الحواجز لدراسة مفاهيم الألفاظ القرآنية:
الأول: واقع التراث النصي العربي.
الثاني: واقع المعجم اللغوي العربي.
الثالث: علم أصول التفسير أو علم بيان القرآن.
وعنه يقول: "علم بيان القرآن أو أصول التفسير الذي مازال ينتظر جهودا صادقة مخلصة لاستخلاصه من مصادره وتخليصه مما التبس به وتصنيفه وتكميل بنائه علما ضابطا لبيان القرآن الكريم من الفهم السليم حتى الإستنباط السليم"، ( [11] ) فواضح من خلال كل ما تقدم الحاجة الملحة للبحث في هذا الموضوع .
ومن الباحثين أيضا نذكر الدكتور فريد الأنصاري في كتابه "أبجديات البحث في العلوم الشرعية" فهو بعد أن يلاحظ، أن العلوم الشرعية قد ركبت تركيبا مزدوجا بين   جانبين نظري وتطبيقي، يلاحظ أيضا "أن التفسير بصفته بيانا لكتاب الله بقي عريّا من أي سياج نظري نقدي، له نسقه الذي يحكمه ومنطقه الذي يقننه ويقعّده"
ثم يقرر بعد ذلك أن الأمر يتعلق بمشروع" يحتاج إلى تظافر الجهود والعمل الجماعي، والتشجيع المؤسسي الرسمي وغير الرسمي، ممن لهم غيرة على التراث الإسلامي عامة والعلوم الشرعية خاصة، عسى أن يرى بعد جيل أو أكثر من البحث الجاد "علم بيان القرآن" وقد قام واستوى وصار مادة منهجية ذات نسق دقيق، خاليا من كل ما يعكر صفوه ويجعله غير قابل للفهم وكذلك التأثير.
هذه بعض النصوص التي وقفت عليها، من أقوال العلماء، ولا يبعد أن توجد نصوص أخرى كثيرة ذات الصلة بالموضوع، وكلها تجمع كما اتضح ذلك جليا على الحاجة الماسة لهذا الموضوع .
وبعد فإن موضوع التجديد أمرٌ ضروريٌّ ؛ لمواكبةِ رُوحِ العصرِ ومعالجةِ قضاياه، وتقديمِ الحلولِ الحاسمةِ لمشكلاتِهِ المزمنةِ وأزماتِهِ المتفاقِمَةِ وأمراضِهِ التي استعصتْ على تلك الحلولِ المستوردةِ، القاصرةِ البعيدةِ عن هدي القرآن الكريم .
يقول صلاح الخالديُّ في قضية التجديد: "ونعني بالتجديد في التفسير، التجديدَ الصحيحَ السليمَ، المنضبطَ بالضوابطِ العلميةِ، الملتزمَ بالأسسِ المنهجية، التجديدَ القائمَ على الإبداع والتحسين والجِدة، والاستفادة من العلوم والمعارف والثقافات المعاصرة، وتوسيع أبعاد معاني الآيات القرآنية، وتنزيلها على الواقع الذي تعيشه الأمة، والعمل على حلِّ مشكلات الأمة، على هدي حقائق القرآن الكريم، ولا نعني بالتجديد الخروج على القواعد والضوابط والأسس العلمية المنهجية والانفلات والفوضى، والقولِ في القرآنِ بدونِ علمٍ وتحريفِ معاني الآياتِ ودلالاتِهَا لتوافقَ أهواءَ ومقررات الغربيين أو الشرقيين المخالفة لكتاب الله تعالى".( [12] )
والتجديد في جوانب عديدة من تفسير القرآن، مثلا:
التجديد في الأسلوب:
بمراعاةِ حالِ المخاطبِ أو القارئ، والبعدِ عن التكلفِ في العباراتِ أو الغموضِ في الكلماتِ، وإنما يُكْتَبُ التفسيرُ بلغةٍ سهلةٍ واضحةٍ يقنعُ بها المتخصصُ بلْ ويستفيدُ منها ويفهَمُهَا غيرُ المتخصصِ .
التجديد في تفسير آيات العقيدة:
تفسيرا واضحا، يعمِّقُها في النفس ويرسِّخُها في القلبِ ليزدادَ المؤمنون إيمانًا مع إيمانِهم، مصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾  (الأنفال/2) .
مع تجنب مزالق المتفلسفين وتلاشي متاهات المتكلمين، ومع مراعاة ثقافة العصر ومعطياته، إذ لا تعارض بين العقيدة الصحيحة والحقائق العلمية الثابتة بل إن العلم يهدي إلى الإيمان ويرقى به، والإيمان يدعو إلى العلم ويتسامى به. 
يقول الخالدي: "فلا بدَّ أن يستعين بالعلوم والمعارف والثقافات الحديثة، وأن يلمّ منها بطرف موجز، وأن يطلع منها على مسائل وقضايا ذات ارتباطٍ بآيات القرآن؛ وذلك حتى يوظف هذه العلوم والمعارف في خدمة النصِّ القرآني وتوسيعه وزيادة أبعاده ودلالاته". ( [13] )
التجديد في تفسير آيات الأحكام:
وعرضها عرضا واضحا بدون الاستطراد إلى التفريعات والركون إلى الافتراضات، بل العنايةُ بالقضايا المعاصرة والنوازل والمسائل المستجدة في شتى المجالات، في الطب والهندسة الوراثية والعلاقات الدولية والإقتصاد وأصول الحكم والإعلام والفنِّ الهادف البنَّاء، وغيرها من الأمور والمستجدات التي لا بد من معالجتها بالمنظور القرآني فهو المصدر الأول للتشريع وهو الميزانُ الدقيقُ الذي نضْبِطُ به المصطلحاتِ ونعرفُ من خلاله دقائق المعاني، مع التركيز على مقاصد التشريع وحِكَمِهِ والردِّ على ما أُثِيرَ حولَ الشريعةِ من شبهاتٍ وأباطيلَ . 
تجنب التعصب المذهبي  :
الأصلُ : أن نستقِيَ العقيدةَ من الكتاب والسنة، وأن نحتكم إليهما وأن لا نقدِّم قولا أو رأياً عليهما، قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تفسيرا﴾ (النساء/ 59).
وقال سبحانه: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ (الشورى/ 13).
وقال سبحانه : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عليم ﴾ (الحجرات/ 1).
أما ما تقوم به  الفِرَقُ الضالَّةُ من دخولِ عالم التفسير بأفكارٍ مُسْبَقَةٍ وتصوراتٍ خاطئة ونوايا سيئةٍ مُبيَّتةٍ، وآراءَ يعتبرونها أصلا يُفَسَّرُ القرآنُ على ضوئِهِ، فيتكلَّفُونَ في تحميلِ النصوصِ ما لا تحتملُ ويُكافِحُون فيصرفِ
 الكلام عن مواضعِهِ، ويُنافِحون في الدفاع عن معتقداتٍ باطلةٍ وبدعٍ مخالفة، فهذا المنهجُ لن ينتهيَ بصاحبِهِ إلا للضياعِ والخُذْلان، وهذا ما حدث لِلْفِرَقِ الضالةِ حين خَاضَ أتباعُها غمارَ التفسيرِ، فلم  يسلُكُوا طريقَ الرُّشْدِ، بل اختاروا من البداية، طريقَ الغواية ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا  .
 أما من تجرَّدَ للحقيقة وأخلصَ في البحثِ عنها، وتدبَّرَ القرآنَ مُسْتَعِينًا بالله على فهمِهِ والانتفاعِ بِهِ فَقَدْ سَلَكَ طريقَ الهدى واتبع سبيلَ المؤمنينَ، قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ (آية /7).
قال السيد رشيد رضا نقلا عن الشيخ محمد عبده : "وإذا ما وزنَّا ما في عقولِنَا من الاعتقاد بكتاب الله تعالى من غير أن نُدْخِلَهَا أولا فيه، يظهرُ لنا كونُنَا مهتدينَ أو ضالين، وأما إذا أدخلنا ما في عقولنا في القرآن وحشرناها فيه أولاً، فلا يمكنُنَا أن نعرفَ الهدايةَ من الضلالِ، لاختلاطِ الموزون بالميزان فلا يُدرى ما هو الموزونُ به، أُرِيدُ أن يكونَ القرآنُ أصلا تُحْمَلُ عليه المذاهبُ، لا أن تكون المذاهبُ أصلا والقرآنُ هو الذي يُحْمَلُ عليها، ويُرْجَعُ بالتأويلِ أو التحريفِ إِليها كما جَرَى عليهِ المخَذِّلون، وَتَاهَ فيه الظالمون".( [14] ) 
ومما يؤسى له أن يخوض خائضٌ في تفسير كلام الله من أجل مناصرة مذهبه الضالِّ، والتعلقِ بأهدابِ الهوى في الاحتجاجِ لمعتقداتٍ باطلةٍ وآراءَ ماحلةٍ! ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ (الكهف/104).
فإذا وُجِدَ ما يُخَالِفُ مذهبَهُ الضالَّ أَوَّلَ النُّصُوصَ بتعسُّفٍ وتكلُّفٍ، وردَّ الأحاديث الصحاحَ، وثالثةُ
 الأثافي، ( [15] ) كذبهُم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيتقوَّلون عليه ما لم يقلْه نُصرةً لبدَعهم، ومنهم من كان ضليعاً في اللغة ومعَ ذلك فقد أعرض عن المعاني الظاهرة وحمَّل النصوص ما لا تحتملْهُ، كما فَعَلَ الزمخشريُّ في الكشَّاف، فَمَعَ كونِهِ ضليعًا في علومِ اللغةِ، إلا أنه انتحلَ مذهبَ الاعتزالِ، وصار في مقدمةِ أصحابِهِ حتى طلب منه بعضُهم أَنْ يَضَعَ تفسيراً ينتصِرُ فيه لأصولِ مذهبِهِمْ وَيُنافِحُ من خلالِهِ عنها، فكان هذا التفسيرُ، فقد قال في مقدمتِهِ: "ولقد رأيتُ إخوانَنَا في الدينِ من أفاضلِ الفئةِ الناجيةِ العدليةِ، الجامعينَ بين علمِ العربيةِ والأصولِ الدينيةِ كلما رجعوا إليَّ في تفسيرِ آيةٍ فأبرزتُ لهم بعضَ الحقائقِ مِنَ الحُجُبِ أفاضُوا في الاستحسانِ والتعجُّبِ، واستطيروا شوقًا إلى مصنَّفٍ يضمُّ أطرافا من ذلك، حتى إجتمعوا إليَّ مقترحين أن أُمْلِيَ عليهم الكشافَ، عن حقائقِ التنزيلِ وعيونِ الأقاويلِ في وجوهِ التأويلِ، فاستعفيتُ فَأَبَوا إلا المراجعةَ والاستشفاعَ بِعُظَمَاءِ الدينِ وَعلماءِ العدلِ والتوحيدِ، والذي حَدَانِي على الاستعفاءِ على علمِي أنهم طلبوا ما الإجابةُ إليه عليَّ واجبةٌ، لأنَّ الخوضَ فيه كَفَرْضِ العينِ ما أرى عليه الزمانُ من رَثَاثَةِ أحوالهِ وركاكَةِ رجالِهِ وَتَقَاصُرِ هِمَمِهِمْ عن أدنى عددِ هذا العلمِ، فضلا أن تترقَّى إلى الكلامِ المؤسَّسِ على علمَي المعاني والبيان".( [16] ) 
         هذا ولقد قيض الله تعالى من الأئمة الثقات من استخرج ما في هذا التفسير من اعتزاليات، كما فعل أبو حيان في تفسيره البحر المحيط، فكثيرا ما تعقَّب الزمخشريَّ وكذلك النسفيُّ تعقبه في تفسيرِهِ مداركِ التنزيل.( [17] )
 فعلى المُفسِّر أن يتجرد في تفسيره لنصرة الحقِّ، وأن ينشد الهداية والرشاد من القرآن، أما من يقتحم هذا الميدان بنيَّة البحث عما يتعلَّلُ به لإرضاءِ نفسِهِ أو غيرِهِ بما هو عليه من ضلال كبير، فلن يزداد إلا ضلالا وبعدا، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (فصلت /40).
وكذلك الحال في التعصب للمذاهب الفقهية، فقد اقتحم بعضُهم ميدان التفسير من أجل مناصرة مذهبه الفقهي، فيسعى إلى مناصرة مذهبه يقوده التعصبُ إلى تركِ الأدلة المعتبرَة طالما أنها تتعارض مع ما استقر عليه المذهب، ولا مجال للخروج عن المذاهب أو التعامل مع نصوص الكتاب والسنة أو الرجوع إلى فتاوى الصحابة والتابعين إلا من خلال المذهب، ولا يمكن فهم الكتاب والسنة إلا عن طريق المذهب.
حتى قال أحد دعاة التقليد : وهو أبو الحسن الكرخي رئيس الحنفية في العراق في عصره، "كلُّ آيةٍ تخالفُ ما عليه أصحابَنا فهي مُؤَوَّلَةٌ أو منسوخةٌ، وكلُّ حديثٍ كذلك مخالفٍ لمذهبِنِا فهو مؤولٌ أو منسوخٌ"، وقال أحد المتعصبين للتقليد وهو أحمد الصاوي داعيا إلى لزوم التمذهُبِ، "ولا يجوز تقليد ما عدا الأربعة ولو وافق الكتابَ والسنةَ وأقوالَ الصحابةِ، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ، وربما أداهُ ذلك إِلى الكفرِ، لأن الأخذَ بظواهرِ الكتابِ والسنةِ من أصول الكفر "، وهذا والله كلامٌ عجيبٌ . 
وقال سلطان العلماء  العز بن عبد السلام: "من العجبِ العجابِ أن الفقهاءَ المقلِّدين يقف أحدُهم على ضعفِ مَأْخَذِ إمامِهِ، بحيث لا يجد لضعفِه مدفعًا، ومع هذا يقلدُه فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسةِ الصحيحةِ لمذهبِهِ، جمُودا على تقليدِ إمامِهِ، بل يتعلَّلُ لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما التأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلَّدِهِ".( [18] )
وقال الشعراني في الميزان: "قال أحد المقلدين: لو وجدتُ حديثًا في البخاريِّ ومسلم، لم يأخذ به إمامي لا أعمل به!" وذلك جهلٌ منه بالشريعة، وأولُّ من يتبرأُ منه إمامُهُ، لأنه لو بلغه هذا الحديث وصحَّ لديه لَعَمِلَ به".( [19] )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وليس لأحدٍ أن يَحْمِلَ كلامَ اللهِ ورسولِهِ (صلى الله عليه وسلم)، على وِفْقِ مذهبِهِ إِنْ لم يتبينْ مِنْ كلامِ اللهِ ورسولِهِ (صلى الله عليه وسلم)، ما يدلُّ على مرادِ اللهِ ورسولِهِ وإلا فأقوالُ العلماءِ تابعةٌ لقولِ اللهِ تعالى ورسولِهِ، ليس قولُ اللهِ ورسولِهِ تابعًا لأقوالِهِم".( [20] ) 
ويقول الأستاذ المودودي: "يجب كخطوة أولى على كل من يريد فهم القرآن، سواء آمن به أو لم يؤمن أن يخليَ ذهنه ما أمكن من جميع ما استقر فيه، من قبل من التصورات والنظريات، ويطهِّرَه من سائر ما يُكِنُّهُ من الرغبات الموالية أو المناوئة ، ثم يكبَّ على دراسته بقلب مفتوح وأذن واعية وقصد نزيه لفهمه، أما الذين يدرسونه واضعين طائفة من التصورات في أذهانهم مقدَّمًا فما يقرؤون بين دفتيه إلا تصوراتهم أنفسهم ، ولا يجدون شيئا من رائحة القرآن، ولا يصلح هذا المنهج لدراسة أي كتاب من الكتب، فكيف بالقرآن الذي لا يفتح كنوز معانيه أبدا للذين يدرسونه باتباع مثل هذا المنهج .( [21] )
-       تجنب الاستطراد إلى ما لا صلة له بالتفسير.
كذلك ينبغي على المفسر أن يلتزم بتفسيرِ النصِّ القرآنيِّ، دون الاستطراد إلى ما لا صلة له بالتفسير، حتى لا يبتعد عن مقاصد القرآن وأهدافه ومعانيه، كما فعل بعض المفسرين الذين جنحوا إلى موضوعات وقضايا لا صلة لها بالتفسير  .
 فهذا الفخر الرازي يحشِدُ في تفسيرِهِ كلَّ شيءٍ حتى صار دائرة معارف" فيها كُلُّ شيء إلا التفسيرَ"
فقال عنه ابنُ خلِّكان: "جمع فيه كلُّ غريبٍ وغريبةٍ"، فكثر استطراده إلى مسائل لا صلة لها بالتفسير، كالفلسفة وعلم الكلام والطب والرياضيات وعلم الفلك، وغير ذلك من المسائل البعيدة الصلة عن جوهر التفسير ومقاصده، فضلا عن جعله من التفسير حلبةً للصراع بين الفلسفات والمذاهب الكلامية .
قال الأستاذ رشيد رضا في مقدمة المنار: "كان من سوء حظِّ المسلمين أن أكثر ما كتب في التفسير يشغلُ قارئه عن هذه المقاصد العالية، والهداية السامية، فمنها ما يشغله عن القرآن بمباحث الإعراب وقواعد النحو ونكت المعاني ومصطلحات البيان، ومنها ما يصرفه عنه بجدل المتكلمين وتخريجات الأصوليين واستنباطات الفقهاء المقلدين، وتأويلات المتصوفين وتعصب الفرق والمذاهب، وبعضها يلفته عنه بكثرة الروايات وما مزجت به من خرافات الإسرائيليات، وقد زاد الفخر الرازي صارفا آخر عن القرآن، هو ما يورده في تفسيره من العلوم الرياضية والطبيعية وغيرها ". ( [22] )
 وهذا الإمام الألوسي في تفسيره  "روح المعاني" يتوسع توسعا عجيبا في مسائل النحو وأساليب البلاغة ووجوه القراءات بما يصرف القارئ كثيراً عن مقاصد القرآن ويُحَلِّقُ به في أجواءٍ بعيدةٍ عنه حتى قال الفاضلُ بنُ عاشورٍ في كتابِهِ التفسير ورجاله: "ويُغْرِقُ الألوسيُّ إغراقًا يُسْرِفُ فيه في مسائلِ الاشتقاقِ والإعرابِ حتى يتجاوزَ محلَّ البيانِ إلى القواعدِ والمباحثِ".( [23] )
وعلى هذا الدرب سار الأستاذ طنطاوي جوهري صاحب الجواهر في تفسير القرآن، فلا يكاد يمر بآية كونية أو إنسانية إلا ويستطرد إلى الحديث عن كل ما يتصل بها من علوم ومعارف، حتى حوّلَ تفسيره إلى موسوعة في علم النبات والحشرات وأسماء الآلات وأصناف المخترعات وعالم البحار والجبال والفضاء والزلازل والأمطار والأعاصير والبراكين، وغيرها من العوالم والظواهر الكونية فضلا عن النظريات العلمية التي يسعى جاهدا إلى ربطها المتكلف بالنص القرآني، مع أنها لا تزال خاضعة للبحث والتجارب .
وإن تعجبْ فَعَجَبٌ ما ضمَّنه هذا التفسير من صور وخرائط ورسومات حتى لَيُخَالُ لمن يطالعُهَ لأولِّ وهلةٍ أنه أمام كتاب تاريخ أو جغرافيا، أو في الطب أو الحساب أو الكيمياء أو الأحياء !، وهذا إن دلَّ على سعة اطلاعه وسبقه لعصره رحمه الله إلا أنه يجنح بسفينته بعيدا عن شاطئ الهَدْيِ القرآنيِّ، وينأى بالنص عن مقاصد التنزيل العزيز .
نعم إن تفسير القرآن الكريم في ضوء العلوم والمعارف الإنسانية شيءٌ طيب، ولكن مع الأخذ بنظر الإعتبار العلوم التي تصرف عن الهدى والإلتزام بشرع الله، فلا بد من الحذر منها، وكذا التبحرُ في لغةِ القرآنِ ، والإبحارُ مع وجوهِ قراءاتِهِ، والأنسُ بجمالِ وبلاغةِ عباراتهِ أمرٌ مستحبٌّ؛ فالقرآنُ معينٌ لا ينضب، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا يشبعُ منهُ البلغاء ولا تنقضي عجائبه، ولكنَّ الأمةَ في حاجةٍ مُلِحَّةٍ إلى تفسيرٍ عمليٍّ واقعيٍّ ينهضُ بها ويُعالجُ مشكلاتِهَا، علماً بأن هذا المُفَسِّرَ لن يستغْنِيَ أبداً عن الرجوعِ إلى اللغةِ والبلاغةِ والقراءاتِ وغيرِهَا من العلومِ، ليأخذَ منها بقدرِ ما يُبَيِّنُ معنى أو يستنبطُ فائدةً أو يدفع إشكالاً .
أما التفاسير البلاغية واللغوية والفقهية، فنحن لا نستغني عنها، وعلى كلِّ متخصصٍ أن يُدلي بدلوهِ في خدمة كتاب الله تعالى، مع مراعاة مقتضيات العصرِ وحاجاتِ الأمة، وعدم البعد عن الهدف الأساس للقرآن كونه كتاب هداية وإرشاد قبل كل شيء .
لكنَّ بعضَ التفاسير مع ما عليها من انتقادات ومآخِذَ لا يمكنُ لنا أن نستغنيَ عنها، فهي من المراجع الأساسية لكلِّ باحث في التفسير ولكن لنستفيد منها ونجعلها منطلقا نحو تفسيرٍ واقعي يعايشُ واقع الأمةِ.
قلت: اللهمّ يسر وأعن برحمتك.
كذلك على المفسِّر أن يُجَنِّبَ تفسيرَه الأقوالَ الشاذةَ، والأخطاءَ والمآخذَ التي أُخِذَتْ على بعض المفسرين القدامى والمحدثين، بسبب عدم تأهل بعضهم لمقام التفسير، فخاضوه دون أن يعرفوا قواعده وأصوله ودون أن يتعمقوا في دراسة لغة القرآن، وينظروا في الصحيح الثابت من أسباب نزوله، ويعرفوا أحوال العرب وعاداتهم قبل في الجاهلية، وذلك لأن القرآن نزل بلغة العرب وعالج شئونهم، وتحدث عن عاداتهم وأعرافهم، وجاء مراعياً لبيئاتهم ومجتمعاتهم، "فإذا لم يكن المفسر عارفا بأحوالهم حالة التنزيل، لم يستطع أن يفهم معاني الآيات حقَّ الفهم، ولا أن يدركَ أثر القرآن العظيم في تغيير حياتهم وما كانوا عليه من عادات فاسدة".( [24] )
فلا يحق لمن لم يتعمَّق في دراسة لغة القرآن أن يتصدى لتفسيره، قال الإمام الزركشي: "واعلم أنه ليس لغير العالم بحقائق اللغة   وموضوعاتها تفسير شيء من كلام الله، ولا يكفى فى حقه تعلم اليسير منها فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد المعنى الآخر".( [25] )
  يقول الراغب الأصفهاني في مقدمة المفردات: "أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبينه وليس نافعا في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لبُّ كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى حبوب الحنطة".( [26] )
وللقرآن أيضا عرف خاصٌّ ومعانٍ معهودة لا يعرف إلا من طال وقوفه أمام ألفاظه وعباراته وأساليبه وتدبُّرُه لمعانيه، قال ابن القيم: "للقرآنِ عرفٌ خاصٌّ ومعانٍ معهودةٌ لا يناسبُهُ تفسيرُهُ بغيرها ولا يجوز تفسيرُهُ بغير عُرْفِهِ والمعهودِ من معانيهِ".( [27] )    
 كذلك من أسباب الخطأ والقصور في التفسير: الغفلة عن سياق الآيات، ومن هنا تبرز أهمية دراسة الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم، و هذا أيضا له مبحث خاص به سنخرجه بعد تمامه إن شاء الله تعالى . ( [28] )
هذا ويمكن حصر :...
-       المقاصد الرئيسية من نزول القرآن :
يقول الطاهر ابن عاشور في مقدمة تفسيره: "فمرادُ اللهِ مِنْ كِتَابِهِ هُوَ بيانُ تَصَارِيفِ مَا يَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ مَقَاصِدِ الدينِ وقد أُودِعَ ذلك في ألفاظِ القرآنِ التي خاطَبَنَا بها خِطَابًا بَيِّنًا وَتَعَبَّدَنَا بِمَعْرِفَةِ مُرادِهِ والاطلاعِ عليه فقال: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (ص/29) .
إلى أن قال: "فَغَرَضُ المفسِّر، بيانُ ما يصل إليه أو ما يقصده، من مُرَادِ اللهِ تعالى في كتابِهِ بِأَتَمِّ بَيانٍ
يَحْتَمِلُهُ المعنى ولا يأباهُ اللفظُ مِنْ كلِّ ما يوضِّحُ المرادُ من مقاصدِ القرآنِ أو ما يتوقفُ عليه فهمُهُ أكملَ فهمٍ أو يخدمُ المقصدَ تفصيلا وتفريعا، مَعَ إِقَامَةِ الحُجَّةِ على ذلك إن كان به خَفَاءٌ أو لتوقُّعِ مُكَابَرَةٍ منْ مُعَانِدٍ أَوْ جَاهِلٍ، فلا جَرَمَ كان رائدُ المفسِّرِ في ذلك أن يعرفَ على الإجمالِ مقاصدَ القرآنِ، مِمَّا جَاءَ لأجلِهِ ويعرفَ اصطِلاحَهُ فِي إِطْلاقِ الألفاظِ". ( [29] )
قال الشهيد سيد قطب: "إنما جاء القرآنُ  ليكون منهاجَ حياةٍ، منهاجًا إلهيًّا خالصًا، إن هَدَفَنَا الأولَ،  أن نعرفَ ماذا يريدُ منا القرآنُ أن نعملَ ؟ ما هو التصورُ الكليُّ الذي يريدُ منا أن نتصورَ ؟ كيف يريدُ القرآنُ أن يكونَ شعورُنَا بالله ؟ كيف يريدُ أن تكونَ أخلاقُنا وأوضاعُنا ونظامُنا الواقعيُّ في الحياةِ ؟".([30])
-       تجنب الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن
يُعَدُّ الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي - رحمه الله - واحداً من علماء المسلمين الذين تخصصوا في التفسير وعلمه، فعاش مع الأولين والآخرين، من خلال قراءته لكتبهم المطبوعة والمخطوطة، ويكفي شاهداً على مكانـتـه في هذا المجال كتابه القيم "التفسير والمفسرون"، غير أن للشيخ كتيباً آخر - وإن كان جــزء كبـيـر منه مأخوذاً من الكتاب الأول - يقع في حوالى مائة صفحة تحت عنوان: "الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن دوافعها ودفعها"، واشتملت المقدمة على مبحث في: مبدأ ظهور تلك الاتجاهات المنحرفة، مع دراسة تحليلية موجزة لأسباب ذلك، وأبان فيه كثيراً من أحوال الذين دخلوا عالم التفسير، ولكن لم تسلم مؤلفاتهم من انحـرافـات وأخطاء، ولا نعني بها الأخطاء الفردية الجانبية، بل المنهجي منها، حيث يلتزم المؤلف في تفسيره منهجاً غير سليم، في تناول النصوص القرآنية التي يخالف فيها أهل السنة، ثم تكلّم عن مبدأ ظهور الانحرافات في التفسير في المقالات التسع التي تلت المقدمة، وذكر أحوال تسعة اتجاهات تناولت القرآن تناولاً فيه انحراف في جانب من جوانب منهجها.ويقسم المؤلف مراحل التفسير منذ عصر التدوين إلى يومنا هذا إلى أربع مراحل، فيجعل:
المرحلة الأولى: يوم كان التفسير جزءاً من كتب الحديث، وكان التفسير بالمأثور يروى بأسانيده، وأحياناً يفرد له باب داخل كتب الحديث.
والمرحلة الثانية: يوم انفصل التفسير في كتبه المستقلة، ومن أعلام هـذه الـمرحلة عند المؤلف: ابن ماجه
 (ت:237 هـ) وابن جرير الطبري (ت:310 هـ) وغيرهما، وقد عدّ الكاتب هاتين المرحلتين من المراحل الخيِّرة في تاريخ تدوين التفسير بالمأثور. 
ولـكـن الـمرحلة الثالثة:لم تكن كسابقتيها، حيث شهدت ظهور تفاسير لم تعـتـن كـثـيـراً بالأسانيد وإثـبـاتـهــا، بل عمدت إلى اختصارها، وذكر أقوال السلف من غير سند، ومأخذ الكاتب على هذه الـمـرحلــة نـنـقـلـه بعبارته حيث يقول: "فدخل الوضع في التفسير، والتبس الصحيح بالعليل، وكان هذا مبدأ ظهور الوضع في التفسير".
ثم تأتي المرحلة الرابعة: وهي أوســع الـمراحل، حيث امتدت من العصر العباسي إلى هذا اليوم، يقول- رحمه الله-: فبعد أن كان التفـسـيـر مقصوراً على رواية ما نقل عن سلف هذه الأمة، وجدناه يتجاوز هذه الخطوة، إلى تدوين تـفـاسـيـر اخـتـلـط فيها الفهم العقلي بالتفسير النقلي، وكان ذلك على تدرج ملحوظ، فبدأ أولاً على هـيـئــة محـاولات فهـم شخـصـي، وترجيح بعض الأقوال على بعض، وكان هذا أمراً مقبولاً مادام يرجع الجانب العقلي منه إلى حدود اللغة، ودلالة كلمات القرآن.
ولكن جانب الفهم العقلي أخذ يخرج عن إطاره الـمـقـبـول مــع مرور الزمن، إلى أن وصل إلى مرحلةٍ قال عنها: حتى وُجد من كتب التفسير ما يجمع أشياء كثيرة لا تكاد تتصل بالتفسير إلا عن بُعد عظيم.

ثُمّ إن الذهبي يُرْجِعُ أسباب تلك الانحرافات إلى عاملين:
 أولهما: حذف الأسانيد. ( [31] )
والعامل الآخــر: اتجاه أهل الرأي في تفسير القرآن.( [32] )
حيث يقول: ولاشك في أن انتهاء التفسير بالرأي إلـى إخـضـاعـه لـمـيـولٍ شخصية، ومذاهب عقدية وغير عقدية، فتح على المسلمين باب شر عظيم، ولهذا العامل عنده سببان:
أولهما: أن يعتقد المفسّر معنى من المعاني، ثم يريد أن يّحْمِل ألفاظ القرآن على ذلك المعنى قـسـراً، وإن كـان ما قـصــد إليه معنى حسياً، ولكن لا علاقة له بالآية، كمن فسّرَ قوله تعالى: ﴿ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِــمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم﴾ (النساء/66) ، بأن قتل النفس هنا: مخالفتها، والخروج من الديار هو: إخراج حب الدنيا من القلوب، وقد يكون المعنى الذي قصد إلـيـه خطأ أصلاً، ومع هذا يريد أن يحمل كلام الله عليه، ومثَّلَ على ذلك بمن فسَّر قوله تعالى: ﴿واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً﴾ (المزمل/8)، اذكر اسم ربك الذي هو أنت، أي: اعرف نفسك ولا تنسها فينسك اللهوالسبب الثاني: أن يقف المفسر مع ظاهر اللفظ،دون نظر في حال القوم الذين نزل فيهم القرآن، أو سبب نزول الآية. وقد تناول الاتجاهات المنحرفة والتي هي:
1.    اتجاه الإخباريين والقصاص.
2.    اتجاه أصحاب المذاهب النحوية.
3.    اتجاه من يجهل قواعد النحو.
4.    اتجاه المعتزلة.
5.    اتجاه الشيعة.
6.    اتجاه الخوارج.
7.    اتجاه الصوفية.
8.    اتجاه أصحاب التفسير العلمي.
9.    اتجاه مدعي التجديد.
وقد استغرق الكلام على هذه الاتجاهات بقية الكتاب، وسنقتصر في هذا الموضع، على ذكر اتجاهين اثنين، أحدهما قديم والآخر حديث، هما: الشيعة ومدعي التجديد.

الموضع الأول: الاتجاهات المنحرفة في تفاسير الشيعة
بدأ الحديث عن الشيعة بذكر أقسامهم من جهة غلوهم  في أمير المؤمنين علي بن أبى طالب- رضي الله عنه-، ولخص بعد ذلك عقائد الإمامية الإثني عشرية، القائلين بإمامة اثني عشر إماماً، فقال: وللإماميّة الإثني عشرية تعاليم، أشهرها: العصمة والمهدية والرجعة والتقية، وأتبع ذلك بشرح موجز لكل عقيدة من هذه العقائد،
وتكلم بعد ذلك عن تفاسير القوم، وضرب أمثلة لكيفية اعتسافهم لآيات القرآن الكريم لتوافق عقائدهم، وحسبنا أن نورد هنا مثالاً واحداً مما اورده الذهبي في الكتاب، فقد نقل عن البحراني في تفسير لقوله تعالى: ﴿إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ (الذاريات/8،9)، أنه قال: يروى عن أبي جعفر أنه قال في تفسيرها: اُخْتُلِفَ في ولاية هذه الأمة، فمن استقام على ولاية عليِّ دخل الجنة، ومن خالف ولاية عليِّ دخل النار، وأما قوله: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ قال: يعني علياً، ومن أفك عن ولايته أفك عن الجنة.
ثم يردُّ المؤلف على هذا الانحراف رداً منهجياً جيداً حيث يقول: ولسنا بحاجة إلى الإطالة في إبطال هذا الاتجاه، بعدما أثبت لنا علماء الحديث ونقاده، أن كل الروايات في ولاية علي ليس لها أساس من الصحة، وأنها من وضع الشيعة أنفسهم، ليروّجوا بها مذهبهم في الإمامة والأئمة، ومن الواضح أن تفاسير القوم لم توضع بتجرد وإخلاص، ولا يمكن اعتبارها تفاسير للقرآن، بقدر ما يمكن اعتبارها قنوات لصب أفكار الشيعة وعقائدهم من خلالها.

الموضع الثاني: الاتجاهات المنحرفة في التفسير لبعض مدعي التجديد.
لقد التزم الذهبي الاتزان في العبارة، والهدوء في المناقشة والرد مع الشيعة، فإنه هنا لم يخرج عن هذا الإطار، إلا أنه استخدم عباراتٍ أشد، وأسلوباً أقوى مع أصحاب هذا الاتجاه، ولعل ذلك عائد إلى أنه عدّ بعضهم ممن يريد الكيد للإسلام وأهله، وبعضهم ممن أقحم نفسه في هذا المجال وليس هو من أصحابه، فنجد المؤلف في هذا الفصل، بعد أن ذكر أن الإسلام بُلي بقوم كادوا له، وعملوا على هدمه، نراه يقول بعد ذلك: مني الإسلام بهذا من أيامه الأولى، ومني بمثل هذا في أحدث عصوره، فظهر في هذا القرن أشخاص يتأوّلون القرآن على غير تأويله، ويلوونه إلى ما يوافق شهواتهم، ويقضي حاجات نفوسهم.
 فمنهم من حسب أن التجديد ولو بتحريف كتاب الله تعالى سبب لظهوره وشهرته في المحيط العلمي، فذهب يفسّر كتاب الله تفسيراً لا تُقِرّهُ لغة القرآن، ولا يتفق مع قواعد الدين العامة، ومنهم من تلقى من العلم حظاً يسيراً، لا يرقى به إلى مستوى العلماء، ولكنه اغتَرّ بما لديه فَحَسِبَ أنه بلغ مبلغ الراسخين في العلم، ونسيَ أنه قلّ في علم اللغةِ نصيبهُ، وخفَّ في علم الشريعة وزنهُ، فأخذ يهذي بأفكار فاسدةٍ تتنافى مع ما قرّرهُ علماء اللغة وأئمة الدين بهذا الأسلوب وبهذه الروح تناول الكاتب أصحاب هذا الاتجاه.( [33] )
ومن أصحاب هذا المنهج: صاحب كتاب "الهداية والعرفان في تفسير القرآن بالقرآن"، وقد ثار على هذا الكتاب علماء الأزهر حتى صودر ومنع، فقد تسلّط صاحب هذا التفسير على معجزات الأنبياء، وجردها من معانيها الإعجازية، فلا عيسى عنده ينفخ في الطين فيصير طيراً بإذن الله، ولا هو يبرئ الأكمه والأبرص ولا يحيي الموتى بإذن الله. ومما نقله عنه المؤلف في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الجِبَالَ يُسَبِّحْنَ والطَّيْرَ وكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ (الأنبياء/79)، يقول: ﴿يُسَبِّحْنَ يعبر عما تظهره الجبال من المعادن، التي كان يسخرها داود في صناعته الحربية، ﴿والطَّيْرَ يطلق على كل ذي جناح، وكل سريع السير من الخيل والقطارات البخارية والطيارات الهوائية، وفسر قوله تعالى: ﴿ولِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ (الأنبياء/81)، يقول: ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ الآن تجري بأمر الدول الأوربية، وإشاراتها في التلغراف والتلفونات الهوائية، ويصل في نهايته إلى بيان ومعرفة بعض الانحرافات التي قد ترد على كتب التفسير وأسبابها.( [34] )

-       تجنب أسباب الخطأ في التفسير:   
أما  أسباب الخطأ في التفسير فيمكن اختصارها في نقاط:
*/ ترك المنهج الأصولي في التفسير.
*/ الإعتماد على الإسرائيليات وترك  الروايات الصحيحة من السنة النبوية.
*/ القول في القرآن بالإعتماد على الرأي المجرد .
*/ التعصبُ المذهبيُّ لفرقة أو مذهب.
*/ الجمود على المعنى المذكور وعدم محاولة تثوير النص ، كما دعا لذلك عبد الله بن مسعد بقوله: "لا يفقه أحدكم حتى يجعل للقرآن وجوها ".
*/ الخوض فيما استأثر الله بعلمه من الغيبيات، أو الاشتغال بالتنقيب عن المبهمات التي لم يبينها القرآن، لأنها من باب، علمٌ لا ينفع وجهلٌ لا يضرُّ.
 مع ذلك وجدنا من انصرف عن الغاية التي من أجلها سيقت القصَّة القرآنية، وما حوته من دُررٍ وعبر إلى البحث عن الأصداف والاستطراد إلى معرفة نوع الشجرة التي نُهي آدمُ عليه السلام وزوجه حواء عن الأكل منها، أو البحث عن عصا موسى من أي أنواع الشجر، أو الحديث عن هدية ملكة سبأ لسليمان وماحوته من
لطائف وطرائف، وغير ذلك مما لا يّضرُّ الجهلُ به بل الانشغالُ به مُضِرٌ لأنه صارفٌ عن فهم كلام الله. ( [35] )



المصادر:
إبن القيم، بدائع الفوائد
ابن المبارك  كتاب الزهد
إبن تيمية مجموع الفتاوى
الآجري، أخلاق حملة القرآن
الأصفهاني، الراغب، المفردات في غريب القرآن
أصول الكرخي ،
الانتصاف لابن المنيَّر عرض ونقد إعداد الشيخ صالح الغامدي  .
البيهقي، شعب الإيمان. للبيهقي
حلية الأولياء لأبي نعيم.
حوى ، سعيد، نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال الأساس في التفسير
الخالدي ، صلاح، تعريف الدارسين بمناهج المفسرين
الذهبي، محمد حسين، الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم : دوافعها ودفعها
رضا ، محمد رشيد، تفسير سورة الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن .
رضا، محمد رشيد،تفسير المنار
الزركشي، البرهان في علوم القرآن ،
السنيدي ، سلمان بن عمر / تدبر القرآن.
الشاطبي  / الموافقات .
الشرقاوي، أحمد بن محمد موقف ،الإمام الشوكاني في تفسيره من المناسبات.   
الصاوي، أحمد اللمالكي حاشية الصاوي على الجلالين
الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير .
الطاهر،إبن عاشور، التفسير ورجاله : للفاضل بن عاشور
العبيد ، علي بن سليمان / تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه ،.
العز بن عبد السلام،  قواعد الأحكام في مصالح الأنام.
الغماري، عبد الله محمد الصديق، بدع التفاسير
قطب ، سيد / معالم في الطريق  ، تحت عنوان جيل قرآني فريد 
قطب ، سيد في ظلال القرآن
قطب، سيد، معالم في الطريق.
الكشاف  للزمخشري  .
مفاتيح للتعامل مع القرآن للدكتور صلاح الخالدي
مقدمة تفسيره  كما في مجموع الفتاوى.
المودودي،  مبادئ أساسية لفهم القرآن
الميداني ، عبد الرحمن حسن حبنكة / قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل - ص 53.
الميزان للشعراني



[1] الشاطبي  / الموافقات 3 / 338  ، ونحو هذا ما ذكره ابن تيمية رحمه الله في مقدمة تفسيره  كما في مجموع الفتاوى 19/200.
[2] السنيدي ، سلمان بن عمر / تدبر القرآن ص 97.
[3] قطب ، سيد / معالم في الطريق  ، تحت عنوان جيل قرآني فريد  ص 8 بتصرف .
[4] السنيدي ، سلمان بن عمر / تدبر القرآن، ص 97.
[5] إبن القيم / الفوائد الفوائد ، ص/ 3.
[6] الآجري / أخلاق حملة القرآن 40 بتصرف.
[7] البيهقي / شعب الإيمان ، 2 / 409 . وحلية الأولياء لأبي نعيم 7/272 . والزهد لابن المبارك ص 399 برقم 1113 .
[8] الميداني ، عبد الرحمن حسن حبنكة / قواعد التدبر الأمثل لكتاب الله عز وجل - ص 53  .
[9] الوَرِيقةُ الشجرة الحسنة الوَرَقِ  :  لسان العرب    10 / 374
[10] وأنا أحب أن أسمي التفسير علم بيان القرن
[11] أحد علماء المغرب الأجلاء ، الذين كان لهم باع في الدعوة لكتابة أصول التفسير .
[12]  تعريف الدارسين بمناهج المفسرين للأستاذ الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي ص 45 بتصرف .
[13] مفاتيح للتعامل مع القرآن للدكتور صلاح الخالدي ص 144
[14] تفسير سورة الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن بقلم السيد محمد رشيد رضا  ص 54  ، ولصاحب الظلال كلامٌ طيب في هذا المقام نحيل إليه في موضعه:  الظلال  2/ 807، والظلال 6 /3979.
[15] ورد في لسان العرب : " ثالِثةِ الأَثافي وهي الداهيةُ العظيمة والأَمْرُ العظيم وأَصلُها أَن الرجل إِذا وَجَدَ أُثْفِيَّتَيْن لقِدْرهِ ولم يجد الثالثةَ جعل رُكْنَ الجبل ثالثةَ الأُثْفِيَّتَيْن " اللسان 2/121 وفي القاموس المحيط : " ورَمَاهُ بِثالِثَةِ الأَثافِي : بالشَرِّ كُلِّهِ جَعَلَ الشَرَّ أُثْفِيَّةٍ بَعْدَ أُثْفِيَّةٍ حتى إذا رَمَاهُ بالثَّالِثةِ لَمْ يَتْرُكْ منها غَايَةً  " القاموس باب الفاء فصل الهمزة ص 1022
[16] الكشاف  للزمخشري  1 / 2   .
[17] وكذلك فعل الإمام أحمد بن المنيَّر السكندري ت683هـ في كتابه الانتصاف من صاحب الكشاف ، وكتاب المسائل الاعتزالية في تفسير الكشاف في ضوء ما ورد في كتاب الانتصاف لابن المنيَّر عرض ونقد إعداد الشيخ صالح الغامدي  .
[18] -  أصول الكرخي ص 84  ، -  ويراجع حاشية الصاوي على الجلالين لأحمد الصاوي المالكي  3/10 تفسيره لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.  أنظر قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام 2/135  .
[19] الميزان للشعراني 1/10.
[20] مجموع الفتاوى لابن تيمية  7 / 35.
[21] مبادئ أساسية لفهم القرآن المودودي 48 ، 49.
[22] تفسير المنار 1/7 .
[23] التفسير ورجاله : للفاضل بن عاشور ص 138 باختصار.
[24] العبيد ، علي بن سليمان / تفسير القرآن الكريم أصوله وضوابطه ، ص 97 ، 98.
[25] الزركشي / البرهان في علوم القرآن ، 1/ 295 .
[26]  المفردات للراغب الأصفهاني  1/3.
[27]  بدائع الفوائد لابن القيم 3 / 538.
[28]  يراجع في ذلك بحث نظرية الوحدة الموضوعية للقرآن الكريم من خلال الأساس في التفسير وبحث موقف الإمام الشوكاني في تفسيره من المناسبات لأحمد بن محمد الشرقاوي.  
[29] الطاهر بن عاشور / التحرير والتنوير ـ المقدمة 1 / 19 ، 20 بتصرف. 
[30]   سيد قطب ، معالم في الطريق ص 15  تحت عنوان جيل قرآني فريد.
[31]  قلت ليس فقط حذف الأسانيد والكن الروايات التي أعتمد عليها في التفسير كانت ظعيفة في أغلبها إن لم تكن موضوعة، وهذا ظاهر لا يحتاج إلى بيان، وإلا لماذا لا تحقق روايات الإمام الطبري الذي كان تفسيره المصدر الأول لكل المفسرين الذين جاؤوا بعده ونقلوا منه أغلب التفسير، وكانت أغلب الروايات التي جاء بها في تفسيره من هذا القبيل، بحيث أن بعض المفسرين كان اعتماده الأول وبالدرجة الأساس على تفسير الطبري، فاخذ منه الروايات الظعيفة التي لا ترقى إلى مستوى الحسن ونقلها بعد أن أسقط السند منها، أين المنهج الأصولي في التفسير ؟ من اعتماد القرآن مصدرا أوليا للقرآن ثم السنة (الصحيحة)  التي هي شارحة  للقرآن ومفسرةً له، ثم الرجوع إلى اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وهذا هو منهج كبار المفسرين من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، كما فعل ابن عباس وغيره، وسؤالات نافع بن الأزرق تشهد بهذا واقرار ابن عباس بقوله " ما كنت أعلم ما فاطر حتى جاءني أعرابيان يختصمان في بئر يقول أحدهما أنا حفرتها أنا فطرتها،، ورواية التخوف التي سأل عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقام رجل من هذيل فقال التخوف هو التنقص، فقال عمر : عليكم بديوان لغتكم فإن فيها تفسير كتاب ربكم، فأعاد التفسير إلى اللغة.
[32] وفي هذا أيضا نظر، فإن اتجاهات أهل الرأي في تفسير القرآن ليست كلها على منهج واحد، فمن المعلوم أن تفسير القرآن بالرأي ينقسم إلى قسمين: التفسير بالرأي الممدوح والتفسير بالرأي المذموم، والأول ما كان موافقا للمنهج الأصولي لتفسير القرآن، والذي رسمه النبي المفسر الأول صلى الله عليه وسلم، وحديث معاذ     المشهور دليل عليه، وكما جاء في حديث سعيد بن المعلّى حين دعاه النبي فلم يجبه، والحديث مذكور في صفحة/ 41 في فقرة ضرورة معرفة أوضاع اللغة العربية وأسرارها، ولكن القسم الثاني ما كان مخالفا للمنهج الأصولي لتفسير القرآن حيث الإعتماد على مجرد الرأي دون الرجوع إلى الضوابط الأصولية التي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم الصحابة كيفية الأخذ بها للوصول إلى تفسير للقرأن صحيح.   
[33] المصري، محمد المصري،2007م، الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن، شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي، الدفــــاع عن عقيدة أهل السنة، المرفوعة بتاريخ/7/12/2007.
[34]  آل الشيخ، محمد عبد الرحمن، الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن، ويمكن لمن أراد التوسع في هذا الرجوع كتاب الذهبي الاتجاهات المنحرفة في التفسير ، وإلى غيره من الكتب في هذا الباب.

[35] -  عني علماء هذا الفن قديما وحديثا ببيان الأقوال الشاذة والخاطئة في التفسير ومن الدراسات المفيدة في ذلك : بدع التفاسير للشيخ عبد الله محمد الصديق الغماري ، والاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم : دوافعها ودفعها للدكتور محمد حسين الذهبي.