حقائق مغيبة

قضايا مركزبة مغيبة:
مَفْهُوم الْحِرابَةِ في الإسْلام
وَعِلاقتُها بِالِإرْهابِ المُعاصِر
دِرَاسَةً وَتَأصِيًلا

بقلم الدكتور
                                    
عامر نايف حمد الزوبعي
جامعة المدينة العالمية بماليزيا

الجزء الأول

مَفْهُوم الْحِرابَةِ في الإسْلام

1 - المقدمة :
الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الذي أرسله الله بالحق للناس هاديا ومبشرا ونذيرا .
تزداد وطاة الأحداث الجارية على الساحة الإسلامية اليوم، والمنكوبة بحكامها وعلمائها ودعاتها وأعدائها على حد سواء، فيالجراحات المسلمين، ويالعدوان الظالمين، ويالسكوت العلماء الذين يشكل سكوتهم عن نزيف الدم وانتهاك العرض، أقسى وأشدُّ على النفس من ضربات المجرمين.
إن سكوتنا الطويل على كل هذه الممارسات المهينة، التي نراها منهم ونسمعها عنهم والتي تحمل كثيرا من معاني التهميش والإهمال، والتجاوزات المتكررة على القرآن ونبينا صلى الله عليه وسلم، واعتداءاتهم على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، دون أن نحرك فينا ساكن أو نرفع بذلك صوتا، أو نرد يدا تطاولت على أسيادها، إن سكوتنا الطويل هذا والمخزي لأمرٌ الجلل، فاين الخلل؟.
مما لا أشك فيه وأجده مستقرا في قلبي إعتقادا، ربما يكون قد بلغ حد اليقين، أن السبب منا والخلل فينا نحن المسلمين، في آخر الركب دوما نسير، وعلماؤنا في واد ودعاتنا في واد آخر، والمسلمون حيرى في واد ثالث ينتظرون، والمصيبة أننا لو فتشنا عن طاقاتنا وإمكانياتنا لوجدناها طاقات جبارة وإمكانيات ضخمة، لكنها ظائعة ولا تصب في المصب الصحيح، وهذا التشخيص سمعناه وقلناه كثيرا، ولكن أين العمل؟ أين التطبيق؟، أين الرجال الذين يرفعون هاماتهم في وجوه الأقزام، متى يدرك المسلمون عموما والعلماء والدعاة خصوصا، أن نظرية الحشد الجماهيري لم تعد نظرية، بل هي حقيقة قرآنية طرحها القرآن قبل أن يكتشفها الغرب، فينادي بأنها نظرية،([1]) وخاصة بعدما اثبتت فاعليتها عبر التأريخ السياسي الطويل والصراع بين القوى، وهب أن المسلمين لم يتنبهوا لها وأدركها أعداؤنا، فما الذي يمنع أن نتعلم من أعدائنا كيف نخطط وكيف نرسم الأهداف المرحلية؟ كيف نحقق أهدافا مركزية موجودة أصلا في القرآن، وقد طرحت في أكثر من موضع، إذ أنها من صميم ديننا ودعوتنا ومهمتنا في الأرض،  ونحن مأمورون بها على جهة الإلزام لا الندب وبمتابعة وإصرار، لأن ديننا لا يقوم وحياتنا لا تستقر إلا بتحقيقها كمقومات وجود، ومما يحز في النفس أننا إلى الآن لم نستطع فهم أو حتى تحديد هذه القضايا المركزية والمحورية في القرآن، ولا حتى بعضا منها رغم طرحه لكثير من هذه القضايا المركزية، وهي على خطورتها وأهميتها في صراعنا مع قوى الكفر والإلحاد والنفاق العالمي، والمؤسف أنهم تعلموها من دراساتهم لهذا القرآن وإطلاعهم على ما بيّنه علماؤنا وأشياخنا الربانيون، الذين فتحوا لهم الأبواب العلم والحضارة التي أبهرت أوربا حين كانت تعيش في ظلمات الجهل والضياع، فأخذوها وطوّروها عبر دراسات منهجية وتجريبية، حتى صاغوا منها نظريات علميّة في مجالات كثيرة، منها السياسية والإقتصادية والرياضية والفلكية والطبية، حتى مضوا في ذلك شوطا بعيدا، في فترات الترجمة والتدوين للعلوم والمعارف بل قفزوا بعقولهم إلى المستقبل وخططوا خططا خمسية وعشرية بل وحتى خمسينية، وينفّذون ما يتوصلون اليه بعزم ثابت وإرادة قوية وعلى النفس الطويل، هذه قضية عجيبة عند بعض الناس على ما أظن، لكني أعتقد أن هناك ما هو أعجب منه وهو أن أعداءنا حين يخططون ويبنون لمستقبلهم، لا ينطلقون من يقينيات تابتة عندهم كحقائق لا يجادلهم فيها أحد، لا وإنما هم ينطلقون من احتمالات ترجحت عندهم، وحتى هذا الترجيح غير ثابت ولا متيقن، وقد لا يزيد على نظريات ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، إنما كانت نتاج أفكارهم العفنة ونفوسهم المريضة بالحقد والحسد على ما عند غيرهم، كتبوها ونشروها بين الأمم على أنها حقائق تأريخية ومكتشفات أثرية ومسلمات حياتية كما فعل فرويد في نظرته الجنسية للعلاقات الإنسانية وماركس في نظريته الإقتصادية ودركايم ولينين وغيرهم، يجمعهم حبل اليهودية ومكرهم بالإنسانية وعدائهم للأديان، نشروها على أنها حقائق فأفسوا الناس ودمروا معتقداتهم، فبنيت على أساسها مواقف ودول وتحركات وتقييمات، ودراسات ومنطلقات فخططوا وجهزوا الجيوش والسلاح والمعدات وخاضوا حربا استعمارية قتلوا فيها الأبرياء وديست مقدسات وأنتهكت أعراض وسرقت أموال ودفعوا جيوشهم في هاويات الموت وربما انسحبوا بعد دمار خلفوه في كل شيء، عبر حربين عالميتين، ليكتشفوا بعد ذلك أن كل ذلك كان كذبا ومكرا دبر بليل، وقد كانت أسسا خادعة لكل هذا الدمار، وظهرت أنها لم تكن تمت إلى الحقيقة بصلة، وأنها مجرد أكاذيب ظللوا بها الناس وأردوهم بها المهالك.
ونحن عندنا من الله براهين وحقائق يقينية تتحدث عن قضايا مركزية، لا يمكن لأحد أن يشك فيها من نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، لأنها من الله الذي لا يعزب عن علمه من مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وليس فقط ذلك وإنما يؤيدها نصوص حديثية من النبي الذي أنزل عليه القرآن، وأغلبها جاءت بروايات صحيحة وعلى شرط الشيخين ومن النوع الذي هو قطي الثبوت قطعي الدلالة، وكان علينا أن نفجر وحي القرآن دراسة وتأصيلا وبيانا، حتى نقود الأمة ونجعلها في مكانها اللآئق بها من الريادة والقيادة لأمم الأرض، وخاصة نحن نعايش الأحداث الدامية بكل جراحها، وتجد الأمة قاطبة من ضغط هذه الأحداث على وجودنا وكرامتنا، ما يهدد أمننا وسلامة حاظرنا ومستقبلنا، وندفع ظريبة الذل من حياتنا وحياة أطفالنا وأعراض نسائنا وكرائم أموالنا، ونحن يمارس علينا كل أنواع الظلم والإرهاب، من كل مجرم وحقير ولا يرقى إلى مستوى الحيون والوحش الضاري، ونحن في عقر دارنا وعلى أرضنا، والمصيبة أننا مع كل ما نحن فيه من ظلم وذل، ما فتحنا أعيننا ولا أفواهنا لنعترض ونتحدث ونعلن ونبين هذه القضايا المركزيّة، أولا: لنعرف الرؤية الواضحة والموقف الصحيح مما نحن فيه، ولكي نعرف ثانيا: ما علينا فعله تجاه ما نحن فيه، ومع ذلك ندعي العلم والفهم، وما أكثر ما نرى جهل الأمة وعلمائها بها،  فلا أدري أجهلها العلماء فعلا أم تجاهلوها، أم غيبتها عنهم التفسيرات المنحرفة للنصوص بسبب ما دخل على التفاسير من إسرائيليات ومفاهيم باطنيىة من التصوف والإلحاد والتشيع والزندقة وما اليها، أم أنهم شغلوا عنها بمسائل الخلاف الفقهي عن هذه القضايا الحاضرة الغائبة، كالكفر والشرك والردة والولاء والبراء ووجوب النصرة وضرورة فكاك الأسير والحرابة وفرضية إقامة حدّها وعقوبتها الرباعية على فاعلها كائنا من كان، وردة الحاكم الذي يقتل ويحارب المسلمين بهذه الوحشية، ونفاق العلماء من خلال سكوتهم على مايجري من بحار الدم، وردة وكفر بعضهم ممن ساندهم ووقف في صفهم، ووجوب إسقاط شرعيتهما – الحاكم الظالم وعالم النفاق - وغير ذلك كثير .
   ومع تحقق كل تلك القضايا – الكبيرة والعظيمة في أصل الشرع - فنحن ليس عندنا أدنى فكرة لمراجعة قضية من هذه القضايا وضرورة وضع حد للتجاوز فيها ومعالجتها معالجة فعّالة من قبل العلماء الربّانيّون الذين يفترض وجودهم في الأمة، ولا حتى تشكيل رؤية مسقبلية، حول هذه القضايا المحورية فلعلنا نساهم بخطوة في سبيل إخراج الأمة مما تعيش فيه من تيه في الزمان وفي المكان لا يعلم حدوده إلا الله، وعلى أقل تقدير نقدم مشروعا للجيل القادم نقول لهم فيه أننا عرفنا واكتشفنا أخيرا سبب تيهنا وضياعنا، فلا تمشوا خلفنا والطريق من هنا فعدلوا المسار وكملوا المسير، فماذا قدمنا نحن في هذا الإتجاه..؟؟؟؟ سؤال أضع أمامه الف علامة استفهام، بحجم مأساتنا.

2 - موضوع الحرابة :
لقد آليت على نفسي أن أحقق هذه القضايا وأبين العلم فيها – ما استطعت إلى ذلك سبيلا - مبتدئا بها حسب أهميتها وثقلها في واقعنا المأساوي، وعلى ظرفنا المدمي الذي نعيشه فبدأت بالحرابة المعلنة من الظالمين علينا والتي نتلظى بنارها من سنين والأمة في عجز عنها، وأسأل الله التوفيق والسداد.
المفهوم المتبادر الذي لا يحتاج إلى كثير من عناء في فهم وتفسير هذه الآية أن الذين يؤذون الله في دينه وكتابه ورسوله وعباده الصالحين، يتوعدهم الله تعالى باللعنة في الدنيا والآخرة واللعنة هي الطرد من رحمة الله تعالى، وأيضا أعد لهم في الآخرة عذابا مهينا، فالسؤال المطروح هنا هو: إذا كان هذا جزاء ومصير الذين يؤذون الله ورسوله وعباده المؤمنين، فكيف حال الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا وإفسادا؟ .
ومجيء يسعون في الأرض فسادا بالنكرة التي تفيد العموم! فما لهم في الدنيا والآخرة ؟ هذا ما سنراه في بحثنا لدراسة آية الحرابة تفسيرا لها وتأصيلا لهذا التفسير من أقوال العلماء وأهل الأصول وأصحاب الإختصاص، إن شاء الله تعالى. يقول تعالى:.. بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
 وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة/26 .
والتي قال عنها العلماء أنها آية الحرابة، فقد تعرّض لها أغلب المفسرين وحصروا معناها في أنها فصّلت العقوبة في قطاع الطريق على المسلمين، وبيّنت عقوبة من يقتل الناس ويعتدي عليهم، ويأخذ أموالهم وعلى تفصيل فيمن يقتل فقط أو يسلب فقط أو يجمع بين الترويع والسلب والقتل، والمفسرون لهم في ذلك تفصيل دقيق جزاهم الله خيرا، فمن خلال النظر فيما جاء في كتب التفسير نجد أن المفسرين الأقدمين والمحدثين، يكادون يكونون متفقين على أن هذه الآية مختصة بما قلنا أنها في قطع الطريق، إلا أني أعتقد أن للآية بعد آخر ربما يكون أعمّ وأشمل، إذ أن القرآن بطبيعته المعجزة، وكذلك قول أبي الدرداء: [لا يفقهُ العبدُ كلَّ الفقهِ حتَّى يمقتُ الناسَ في ذاتِ اللهِ ، ولا يفقهُ العبدُ كلَّ الفقهِ
حتَّى يرَى للقرآنِ وجوهًا كثيرةً].([2])
وحين يقول المفسرون والسابقون في آية أو حديث قولا، لا يمنع أن يقول فيه المتأخرون توسعا فيه وتأصيلا، إذا كان وفق الضوابط والأصول التي حددها وبيّنها النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا الصحابة إلى الأخذ بها، بل إنه عليه الصلاة والسلام، كان يعلّمهم أن يُعْمِلُوا عقولهم في النص، فيخرجوا منها المعاني التي يحتملها اللفظ العربي الذي نزل القرآن به، كما روي في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنفال/24، فقد روى سعيد بن المعلّى أنه قال: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أصلي فلم أجبه، حتى أنهيت صلاتي فأتيته مسرعا، فقال ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قلت: كنت أصلي يارسول الله، فقال وما تصنع بقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ الأنفال/24.
يقول ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: "لا شك أن الآية مسوقة للدعوة إلى الإيمان لا على النداء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلّم أصحابه، كيف يُعْمِلون فكرهم في النصوص، فيستنبطون منها ما يحتاجونه من علم يناسب الواقع الذي يعيشون فيه، ظمن الضوابط والأصول في الأستدلال. ([3])
قلت: وهذا ما ينبغي أن نتعامل به مع كثير من نصوص الكتاب الكريم، ومنه آية الحرابة التي نحن بصدد تفسيرها وإسقاطها على الواقع المعاش، فإننا نجد أنها بحاجة إلى بيان وتأصيل لمعاني أخرى، ما تطرق إليها المفسرون الأقدمون، وليس تقصيرا منهم وحاشاهم، وإنما هو غياب الواقع الملائم لفهم النص في زمانهم، مما اقتضى إعادة النظر في بعض النصوص التي لها علاقة وثيقة بما يجري من أحداث في زماننا، وهذا أمر مشروع لا مشاحة فيه، بل نحن مأمورون به شرعا لما تقدم، وهذه قضية في غاية الأهمية، بل ربما تكون من القضايا التي تحتل من الأهمية الجانب الأقصى، لأنها تشكل حقيقة قرآنية لا يستقيم فهم النص، إلا إذا أسقط النص على ظرف يشبه إلى حد بعيد الظرف الذي نزلت فيه الآية أول الأمر .
وتأسيسا على هذا نقول: من لهذه القضايا التي نعاصرها ومثيلاتها؟ من يملك ذلك الوعي الحركي من فقه الدين وفقه الواقع وفقه الأولويات، ليتصدى لهذا الواقع المخزي الذي نعيشه اليوم؟ فَيُسْقِطُ الآيات القرآنية التي تناسبه، إسقاطًا صحيحا على واقعنا، فينقذنا مما نحن فيه، ونحن نعيش في زمن تكالب علينا من بأطراف الأرض قتلا وذبحا واعتداءا وتشريدا، وكثرت فيه كذلك العمائم والشهادات، فكانت في عدد مصائبنا وحجم مأآسينا .
 نعم .. العمائم والشهادات التي تعيش على عزّة الإسلام وفضله وخيره وشرف الانتساب إليه، بينما لا يلقى الإسلام منها إلا الذل والمهانة والنفاق، ولم يكلف أحدهم نفسه أن يقول كلمة حق، يجعلها شمعة يوقدها في هذه الظلمات؟ وليتهم حين أوقدها غيرهم تركوه، بله أن يعينوه ويساندوه، بل هم أول من يسعى في مخالفته وتخذيل الناس عنه، ليطفئوا نور الله بأفواههم وهم - ربما - لا يشعرون، ويسارعون لينصروا الطغيان على دين الله وأمة هذا الدين، علموا هذا أم كانوا من الجاهلين، فإن هذا أمر وارد بيقين . 
قلت: لو كان في الأمة من يملك هذه القدرة على الفهم الدقيق، والإستيعاب الواعي وإستنباط الأحكام، وإسقاط النصوص القرآنية على الواقع والأحداث التي تنشأ هنا وهناك، لما وجدت الأمة نفسها في بحار من الحيرة والظلمات عند كل قضية من القضايا المهمة .
ولكن المصيبة كانت مضاعفة علينا وعلى هذه الأمة، حين فقدنا العلماء الربانيون الذين ينبغي أن يكون قد تحصّل لديهم علم محيط بالقضايا المركزية والجوهرية في هذا الدين، من خلال دراساتهم على مدى عمرهم الطويل، وابتلينا بالعلماء الذين كانت قلوبهم مريضة بالدنيا وقد قيل: "أن العلم وحب الدنيا لا يجتمعان في قلب واحد أبدا"، فهما ضرائر إلا عند من رحم ربك وقليل ما هم، ولذلك نجد عتاب الله تعالى في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون النمل/84، فكأن الآية تومئ إلى أن عدم الإحاطة علما بالقضايا العقدية المركزية في هذا الدين، تكذيب بآيات الله أو قريبا من ذلك، والله المستعان. 
قلت: فعدم إحاطة العالم بأي قضية يعاصرها إحاطة علميّة، لا تؤهله للحكم عليها، لأنها ستكون من باب الحكم على الشيء مع الجهل به، وقد قال الأصوليون أن "الحكم على الشيء فرع من تصوره"، وإذا كان الذين يعتمد عليهم الناس هم أنفسهم بحاجة إلى وعي وعلم وإدراك لما يجري من أحداث، وفهم بالآيات ذات العلاقة، والتي أنزلت أصلا لكي تُعْرَف وَتُدْرَك ويعمل بها في إصلاح وبناء واقع الأمة، وقد كان العلم بها من الدين بالضرورة، فالجهل بها غير مقبول، وما يجري لايكفي فيه أضعف الإيمان بعد الآن فهذا أمر مرفوض ومستنكر .
فإذا كان العلماء الذين وثقت بهم الأمة لا يعرفون ولا يفهمون فقه النوازل، فكيف سيحكمون عليها؟ والذي زاد الطين بلّة وأفحش في الغلطة أنهم في غمار هذه النوازل، ويسطلون بسعارها؟، فما قيمتهم وما دورهم إذاً؟، ولماذا يسمّون علماء؟ وكيف قبلوا مشيخة العلم، وأعمالهم تشهد بغفلتهم وجهلهم في توجيه حركة وواقع المسلمين، وكتاب الله بين أيديهم، وقد أشارت الآية إشارة قوية إلى هذا المعنى بقوله تعالى:﴿أمّ مَاَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟، نعم ماذا تعملون ياسادة، الا تكفيكم سورة الإسراء والمائدة والأنفال؟ وسبعمائة حديث للبخاري، حتى تتحَركوا؟، فَتُحرِّكوا السفينة التي تكاد أن تغرق بنا وبكم ؟.
ومن هذا المنطلق سننظر في الآية - قيد الدراسة - نظرة أوسع وأشمل، لعل الله يفتح لنا مغاليق القلوب، بآفاق من العلم بوحيه المبين، وإذا كنا غير متعجلين في الماضي، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا طه/114 ، فإن الوضع الآن اختلف، لقد إنقلبت بنا الدنيا وأصبح عالينا سافلها وأسافلها يحكونا ويتحكموا بنا، وأمسى الصائل يصول ويجول بأرضنا وفوق صدورنا، واحتل مقدساتنا، يسرق بيت مالنا ويقتل شبابنا وأهلنا من ﴿الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًاالنساء /،98 وما عاد القعود يليق بنا، وإنما لا بد من القيام استجابة لله في قوله: }انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ التوبة/41، وقوله: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا النساء/75، وخاطبنا بالتهديد الصريح ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ التوبة/39، فالإستبدال سنة إلهية ينبغي أن لا تغيب عن وعي العلماء والدعاة والمجاهدين شعوريا وفكريا. 
ولا يليق بالأمة اليوم أن تنشغل بغير دفع الصائل، حتى لو كان طلب العلم أو تبليغه بحجة الوقوف على ثغرة من ثغور الدعوة، فقد مضى عهد النوم وجاء دور القتال، ولقد أخبر النبي عن هذا في زمانه صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن النواس بن سمعان أنه قال: {فُتِحَ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتحٌ فأتيتُهُ فقلتُ : يا رسولَ اللهِ سُيِّبَتِ الخيلُ ووضَعوا السلاحَ فقدْ وضعَتِ الحربُ أوزارَها، وقالوا : لا قِتالَ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كذَبوا، الآنَ جاءَ القتالُ، الآنَ جاءَ القتالُ، إنَّ اللهَ جلَّ وعلا يزيغُ قلوبَ أقوامٍ يقاتلونَهُمْ، ويرزقُهمُ اللهُ مِنهُمْ حتَّى يأتيَ أمرُ اللهِ على ذلكَ، وعُقْرُ دارِ المؤمنينَ الشامُ}،([4])بينما نجد أن هذه الأمور أصبحت عند غالبية المسلمين من الأمور الثانوية في واقعنا المأساوي اليوم، وهو يتعرض لأكبر عملية "حرابة " في التأريخ ولأعظم حالة "إرهاب" من أعدائنا على بلاد المسلمين، والعلماء غافلون والدعاة منشغلون، والمسلمون ضائعون في دروب الدنيا ودماء إخوانهم تجري أنهارا!!!.
وتأسيسا على ذلك فإني أريد أن أركز هنا على حقيقة مؤداها: "أن عدم الإرتقاء إلى المستوى المطلوب في التعامل مع التعبير القرآني، سواء من خلال تدبّره أو دراسته أو - ربما - معايشته كذلك، سيؤدي إلى عدم إعطاء تصور واضح عن مرامي وأهداف النص والعبارة القرآنية، والتي أريد لها أن تكون مادّة حيّة للأجيال، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل على حد سواء، وصدق الله: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ الشورى/ 52، تبعث من كان ميْتاً فينا، ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام/122، لا تنفع فيه القراءة فحسب، دون تدبّر قراءته: ﴿وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا الإسراء/106، أي على مهل،([5]) ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ طه/114، من أجل الوصول إلى فهم أعمق وتصور أشمل وعمل أكمل .. والإبتهال إليه سبحانه وتعالى قبل وحين وبعد القرآءة : ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمً طه/114.




3 - إشكالية البحث والهدف منه :
تتعدد إشكالية موضوع الحرابة لأسباب عديدة :
·         إن ما تتعرض لها الأمة اليوم هي أكبر عملية حرابة في التأريخ، وأكبر عمليّة اغتيال لشخصية وكرامة المسلمين في الأرض، والمسلمون يغطون في نوم عميق.
·         عدم وضوح معنى هذه المفردة "الحرابة" التي اشتقت من مفردة "حَرَبَ" ولا نستعملها كمادة تدريسية في مدارسنا وجامعاتنا، وكأنها ليست من مفردات ديننا، الذي وضع لها أسسا وقواعد، ما ارتقت إلى مستواها أي دراسة غيرها، وجاءت في أكثر من موضع في كتاب الله تعالى .
·         مفردة "الحرابة" كان لها معنى واضح في أذهان الناس حين استعملها القرآن ليحذّر ويبين حالة من الإعتداء على الغير، مرفوضة ومحرّمة ومرتكبها ظالم أو خارج من الملّة.
·         إن الآية عامة وحكمها عام ومتنوع وشديد، يناسب حالة عامة من حرابة معلنة من قوة فاعلة تملك السلاح والعتاد، بينما نجد المفسرين يكادون يحصرون هذه الآية – آية الحرابة - بمن قطع الطريق على بعض المسلمين، فروّعَهم وأخذ مالهم، وربما قتلهم أو قتل بعضهم.
لكني أعجب وأسأل لماذ هذا التخصيص في كون الآية تتعلق بقاطع الطريق فحسب، وليس في الآية ما يدل على هذا التخصيص، إن الآية واضحة الدلالة على أنها عامة فيمن حارب الله وحارب رسوله وسعى في الأرض فسادا، وإذا كان هناك من قطع الطريق على الناس فحاربهم فإن ذلك مما اشتملت عليه الآية ظمناً، لكن تخصيص ذلك فيمن قطع الطريق، فأظن ذلك قصرا للمراد، وتقييدا لمعنى النص.
ولأن الناس اليوم قد ابتعدوا عن منهج الله القويم، ووقعوا تحت حكم الظالمين، فالفوا الذل والظلم والطغيان المبين، فلم يعد المسلمون يتنبهون لمكر عدوهم بهم، وبالتالي لم يكونوا مستعدين لصدّ هجمات الظالمين، والله أوصاهم بقوله:  ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًاالنساء/71، وصدق من قال: ومن يهن يسهل الهوان عليه، فمن أجل كشف الستور عما يدبر طي الخفاء، ومن أجل صحوة النائمين الذين لم يتنبهوا للذئاب وهي ترتع في مرابعهم، ويحسبون أنهم في ديارهم آمنين، كتبت هذه السطور.

4 - أهمية الموضوع:
أولا: يكتسب هذا الموضوع أهميته من وطأة الأحداث الجارية، على الساحتين العربية والإسلامية، وما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط وبالأخص بلاد الرافدين وبلاد الشام من كيد يهدف التمزيق، ومكر يراد به التشرذم والتبعية لشعوب وأمم الشرق الأوسط، للنظام المركزي الذي طغى وتجبر في البلاد حتى أكثر فيها الفساد، ولأن موضوع "الحرابة" وعلاقته بالإرهاب يمثل محوراً أساسياً في كافة مناحي الحراك السياسي والديني اليوم، وما يصاحبه من نشاط فكري واصطراع مفاهيمي لأحد المصطلحات الفكرية المعاصرة والخطيرة، والتي تعمدت المعسكرات الغربية تعويمه حتى لا يفهم، لأنه إذا فهم على حقيقته وعرف معناه على وجه الدقة، بطل العمل به بل بطل اتهام الغير به، والذي هو مصطلح "الإرهاب".
وحيث أن المصطلح الفكري سلاح ذو حدين، ومعرفة المفاهيم الصحيحة تساعد على حل الإشكاليات، بينما نجد التعويم والإختلاف في المفاهيم يزيدها تعقيداً.
فإن تعريف المصطلحات "كالحرابة والإرهاب والبغي والطغيان" وغيرها، مما لها علاقة من قريب أو بعيد ببعضها البعض، ليس أمراً ثانوياً بالنسبة لنا نحن المسلمين، فنحن أهل المصطلحات، ونحن أهل أعظم لغة عرفها البشر على مر التأريخ، وهي اللغة الوحيدة التي تتميز بأنها حمّالة وجوه للمعاني في مشترك لفظي وتظمين فعل معنى فعل غيره، ويكفيها فخرا أن القرآن الكريم نزل بها، فحفظها من الضياع وعصمها من الإندثار، ولو أن كل لغة تعرضت لما تعرضت له اللغة العربية، لما حال عليها الحول حتى تشوهت وتعوقت وقرئ عليها السلام بالمقلوب، والينا يرجع الفضل في نشر الوعي بين الأمم، هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن هناك من يتبنى الإرهاب تصورا وسلوكا ومنهجا يتعامل به معنا ويرمينا به - بكل وقاحة – من خلال أدبياته وإعلامه الهادف وفنه الموجه ودراساته الإستشراقية والدعائية وسياساته الملتوية، بينما نحن الواقعون في لهيبه، وعليه والحالة هذه يترتب إصدار قوانين وأحكام وتحديد عقوبات دولية، ووجوب اتخاذ مواقف مبدئية وسياسية وعسكرية وما إليها على جهة الحتم والإلزام حتى لا يكون لكل من هبَّ ودبَّ أن يشرع القوانين والأنظمة يلزم بها غيره ويكون هو بمنأى عنها.
ثانيا: بحجة الإرهاب المزعوم قامت حروب، وأزيلت حكومات، وقتل الآلاف في كل مكان وفي أفغانستان والعراق وفلسطين والشام ومنيمار وغيرهم، وألصقت كثير من الشبهات بالإسلام الحنيف وبأتباعه، بزعم الغرب أن الإسلام يشجّع على الإرهاب، وزعمهم أن الجهاد هو الإرهاب بعينه، واعتبر المستعمرون جميع حركات المقاومة، وحركات التحرر من الإستعمار، وكل الرافضين لقوى الإستكبار الغربية، إعتبرها حركات إرهابية يجب محاربتها.
ثالثا: غفلة الأمة وسكوت العلماء جهلاً أو جبناً أو نفاقاً، عن كل إعتداءت وغزوات التحالف الثلاثي الصهيو صليبي صفوي فكريا وثقافيا وسياسيا وعسكريا، وقعود دعاة الصحوة وحرصهم على الدنيا، من خلال إغرائهم ببعض مكاسبها، وتقاعس العلماء عن قول الحق ونصرته وكأن الأمر لايعنيهم، وتخاذل الحكام الذين برهنوا بهذا التخاذل أنهم على غير دين الإسلام، فقد خرجوا منه حين ارتضوا الحكم بغير ما أنزل الله فارتدوا وما كانوا مؤمنين، كل ذلك أدى إلى قعود مخزي عن التصدي لكل حالات "الحرابة" التي يمارسها الأعداء على أمتنا وفي بلادنا، حتى وصلوا إلى أقصى حالات الإستهتار، من قتل
مروع طال كل الأعمار حتى الأطفال بعمر الورود، وبكافة صور القتل:
·      تهديم البيوت على رؤس ساكنيا العزل الذي لم يحملوا السلاح وما كانوا محاربين.
·      تهديم المساجد والمكتبات العامرة عن طريق القصف الممنهج والمعد له مسبقا.
·      حرق الناس بالنار وهم أحياء .
·      دفن الناس وهم أحياء بدون أي ذنب سوى أنه مسلم سني.
·      إعدامات ميدانية في الحارات السكنية بعد مداهمات همجية.
·      قصف بالطائرات الحربية وبالصواريخ الأرضية والراجمات وبكافة الأسلحة، للمناطق السكنية، والمستشفيات والمساجد.
كل ذلك دون أدنى خوف من أحد، أو عقوبة من قوي وعلى مرئى العالم وسمعه، وهذا ما لم يحدث في التأريخ وفي أي مكان إلا في زماننا هذا وفي بلادنا المنكوبة بحكامها وعلمائها وأبنائها قبل أعدائها على حد سواء.    

5 - سبب اختيار هذه الدراسة :    
كَثْرت الخلط المتعمد في تعريف الإرهاب من أعدائنا، وإهمال أو جهل حقيقة الحرابة من علمائنا ودعاتنا وعوامنا، وتضييع معانيهما لكي لا يستطيع الدارسون والمثقفون الوقوف على تعريف متفق عليهما، لا على المستوى الدولي ولا الغربي ولا العربي، فأردت أن أجعل هاذين المصطلحين في بقعة الضوء، ليبينا وينكشف عنهما الجهل، ولتستبين بعد ذلك سبيل المجرمين .
بيان التناقض الغربي المقصود في نظرته للإرهاب، وكذلك التناقض على مستوى المتنازعين، فما يعتبره البعض إرهاباً يعتبره الآخر شجاعةً وعدلاً، وأبرز ذلك ما تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها اسرائيل، من مواقف حيث تكيل لمن يخالفهما بمكيالين، هذا من جانب ومن الآخر إنقسام الأمة نفسها في فهم الإرهاب، فمن ينفي الإرهاب عن الإسلام كليا وينادي بسماحة الإسلام ورحمته وأنه دين السلم والمحبة، وبين من يعتقد أن الإرهاب موجود في الإسلام إعتقادا، وأن ذلك مذكور في القرآن صراحة، والأمة بين التسويف والتعسف، فلا هؤلاء علموا ولا هؤلاء فهموا حقيقة الأمر.
وعليه فقد رأيت أن من الواجب من الدين بالضرورة، توضيح هذه المسألة تفسيرا وتأصيلا وبيانا، لأننا بحاجة إلى فهم دقيق، وتأصيل شرعي محكم، للوصول إلى أحكام شرعية منضبطة حولها، فادليتُ بدلوي وأرجو أن يكون واردا.  
دأبت وسائل الإعلام الغربية وبالأخص الأمريكية، على وصف كل حركة مقاومة ضد المصالح الغربية "بالإرهاب" ظلما وتعسفا، وأصبحت هذه الكلمة المرهبة، سيفا يسلط على رقبة كل من يتجرأ على رفض الهيمنة
الأمريكية وغيرها في العالم.
لا بد من الإعتراف بأن الحضارة الغربية التي برعت في الإنتاج الصناعي والتكنلوجي والتقني، وبرعت في الإنتاج السينمائي والفني والموسيقي، برعت كذلك فيما هو أعظم من كل ذلك وأبعد أثراً، لقد برعت في فن إنتاج وتسويق وترويج المصطلحات، وكما لا يكفي مجرد الإنتاج في الصناعة عموما، وإنما لابد من تسويق وتشويق،لكل منتجاتهم الفنية والسينمائية والمسرحية، فكذلك المصطلحات عندهم، فقد أبدعوا في تسويقه، فليس مصطلح "الإرهاب" و"مقاومة الإرهاب" و"مكافحة الإرهاب" بأول إبداعاتهم ولا آخرها، فإن هذا المصطلح قد غدا أكثر المصطلحات ذيوعاً ورواجاً".([6]) بفضل وسائل إعلامهم المبرمج والمفبرك.

6 - والهدف منها:  
 صرخة حق في النائمين، ... وصيحة يقظة في الغافلين، ...وخفقة قلب للمحبين، ... وحداء منقطعٍ في المتأخرين،... ووقفة عز في وجوه المتجبرين،... وهي قبل وبعد ذلك إشراقة من دلائل الوحي المبين... 

7 - آية الحرابة  ... بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة/26 .
إن من الملاحظ بداية أن الآية جاءت بألفاظ ومفردات بذاتها، وإذا أمعنا النظر في معانيها نجد أن الأمر محمول على الجمع، وليس فيها دلالة على المفرد، وذلك من النسبة والتناسب في القرآن الكريم، والذي له أثره في بيان المعنى الدقيق للآية فانظر:
 اولا: في صيغ الأفعال، قال: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا لفظ
 ﴿يحاربون التي تفيد الجمع لاشتمالها على واو الجماعة الدال على الكثرة، وكذلك في ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا يسعون التي تفيد الجمع كذلك، والمحاربة والسعي في ذلك إنما يعني بذل أقصى المجهود والوسع في طلب الشيء.
ثانيا: في تشديد الأفعال قال: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ فمجيء ﴿يقتّلوا، يصلبّوا، تقطّع أيديهم وأرجلهم، ففي هذا التشديد في التقتيل والتصليب والتقطيع يدل على تفعيل الفعل بشدة وليس مجرد قتل عادي، أو قطع برحمة، فالتشديد هنا لزيادة العذاب والتغليظ فيه، بما يتناسب مع عِظَم الجريمة التي يرتكبها الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فسادا .
ثالثا: في قوله تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ولم تأتي بصيغة أخرى كـ" يفسدون .. أفسدوا .. لا تفسدوا في الأرض " إلى غيرها من الصيغ التي فيها مرد الخبر إلى تغير يفسد المضمون، وحين يكون هذا الفساد بسعي دؤوب يكون إفسادا في الأرض، وإنما قال ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ، والسعي هو بذل أقصى المجهود، مما يوحي بأنهم يبذلون أقصى ما يستطيعون من إفساد، في أقصى ما يملكون من جهد، وفي أقصى ما يملكون من طاقة وإمكانيات، ويدخل في هذا المعنى التكرار والتنويع والتحدي والإصرار، وهذه كلها في محاربة الله ودينه ورسوله وأتباعه من المسلمين بتكبر وعناد.
رابعا: في تقرير إيقاع هذه العقوبة الرباعية على هذا التغليظ وهذا الترتيب، فيه إشارة إلى أن هذه الجرائم الكبيرة "محاربة الله ومحاربة رسوله صلى الله عليه وسلم، والإفساد في الأرض"، والذي يشمل الترويع والإخافة والقتل والسلب وسرقة المال وهتك الأعراض وهدم البيوت وأتيان المنكرات وغير ذلك، تستحق تلك العقوبة الرباعية الشديدة، التي جعلها الله مخصوصة بجريمة الحرابة في الأرض، بنص القرآن وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وتأصيل علماء الأصول.
والعجيب أنهم في الرعيل الأول كانوا يعتبرون أي اعتداء على أي مسلم مهما كان قدره، حتى لو كان عبدا فقيرا فإن له عزة الإسلام وكرامة الإيمان ولو كان الإعتداء مجرد ضربة صغيرة ليست مؤذية وإنما أهينت كرامته فيها،([7]) أو أي إهانة حتى لو كان مجرد هجاء، فقد عاقب عمر الفاروق الحطيئة حين هجى الزبرقان، فحبسه وما أطلقه حتى أخذ
عليه العهد أن لا يهجو أحدا من المسلمين.
وكذلك أي اعتداء على أي مسلم من غير المسلمين، يؤدي إلى إسقاط العهد المبرم معهم، بل حتى لو كان مسبة من سفيه إعتبرها الإسلام ذنبا يجب التوبة منه والتحلل من صاحبها، فلقد قال صلى الله عليه وسلم: {سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر}،([8]) أما إذا كان  قذفا في عرضه فإن العقوبة حدٌ في الظهر ثمانين جلدة، وهي مجرد كلمة تقال باللسان، قد يكون ليس لها من الواقع رصيد، لكنها كبيرة في حق المسلم الذي أعزه الله بالإسلام، وفي الحقيقة أن هذه التجاوزات وإن كنا نراها بسيطة في زماننا هذا، إلا أنها من الأمور العظام في حق المسلم يوم كان للمسلم عزته وكرامته، فماذا يقول الفاروق عمر لو ظهر في زماننا ورأى ما ينزل بالأمة من ضيم وكرب واعتدءات، وقتل وتشريد واستباحة للدماء والأعراض والأمول والحرمات ؟؟

7 - تعريف الحرابة لغة :.
والحرابة لغة : مما يتصل بالمعنى المراد عند المفسرين : من الحَرَبْ بمعنى المعصية، وحَرَبَه حَرْباً إذا أخذ ماله وتركه بلا شي، والمحروب هو المسلوب والمنهوب، والمحارِب هو الغاصِب والناهِب، وبناءا على ذلك فالمحارِب إسم فاعل مشتق من حَارَبَ والحربُ نقيض السلم بمعنى سلب الأموال وهي بمعنى الإعتداء وتدل على وجه العموم بمعنى الغَصْب. ([9])
وتأسيسا على ما تقدم فإن المعنى اللغوي للحِرابة هو الإعتداء والسلب وإزالة الأمن فهي ليست مرادفة للقتل والمقاتلة وإنما الأصل فيها الإعتدء والسلب وإزالة الأمن وذلك قد يكون  بقتل وقتال وقد يكون بدونهما ([10])، وهذا لا شك أنه يتفق مع معنى ومفهوم الإرهاب، وما يحدثه من أعمال تخريب وهدم وعدم استقرار وما يمثله من اعتداء على الآمنين وعلى السلم والإستقرار العالمي.
وأصلها من "حَرَبَ" من الفعل الثلاتي "ضَرَبَ" وأصوله ثلاثة "الحاء الراء الباء"، ولها عدة معاٍ في اللغة :
الأول:-  هو السَلَبْ: يقال حربته ماله يعني سلبته،([11]) والسلب سواء في المال أو الدين أو العرض ومنه حديث الحديبية، "إلا تركناهم محروبين"، يعني مسلوبين، وتأتي أحيانا بمعنى نقيض السلم.
الثاني:- بمعنى العداوة: تقول أنا حَرْبٌ لمن حاربني، يعني عدوٌ لمن عاداني.
الثالث:- المعصية: يحاربون الله أي يعصونه في الأرض.
الرابع:- القتل : فأذنوا بحَربٍ من الله، أي بقتل.
الخامس:- الغضب : قول علي لإبن عباس،  لما رأيت العدو قد حَرِبَ، أي غَضِبَ.
السادس:- الغَصْبُ : اذا غُصِبَ الناس أموالهم .

8 - تعريف الحرابة إصطلاحا :    
وبعد النظر وجدنا أن معانيها في الإصطلاح تدور حول معنيين رئيسيين هما :
الأول :-  مجاهرة الظالم ومكابرته اعتمادا على القوة والبطش.
الثاني :-  إخافة الآمنين وإزعاجهم، سواء كان يرافق ذلك قتلا أو أخذ مال أم لا، أو إعتداء على عرض .
فالحرابة هي الخروج لأخافة الناس، أو لأخذ مال محترم، أو اعتداء على عرض، بمكابرة قتال أو خوفه.

9 - حكم الحرابة :
الحرابة حرام بالإجماع، وهي من كبائر الذنوب، فإن الله تعالى قد أوجب عليها حدا وقصاصاً مجتمعين ومترابطين في الدنيا، مع ما توعد الله به المحارب في الدار الآخرة إن لم يتب، ويعيد الحقوق إلى أهلها، على تفصيل عند الفقهاء.
    ولقد قال كثير من المفسرين، إنه لا بد من تقدير محذوف هنا، بأن يقال يحاربون أولياء الله، وقال قوم بل يحاربون عباد الله، والحرابة وإن كانت واقعة فعلا على عباد الله تعالى، وفي أرض الله ولا شك، إلا أن إضافتها إلى الله ورسوله تجعلها أشدّ وأعظم توبيخا وتحذيرا وتصويرا لبشاعة هذه الجريمة وقبحها، فمن ذا الذي يقدم على المحاربة وقد علم أنها محاربة لله ورسوله، فلا جرم إذاً أن أوجب الله تعالى فيها هذه العقوبة الشديدة المناسبة لخطورتها وقبحها وبشاعتها .
    ولما كانت الحرابة جريمة كبيرة بحيث تنتظم معظم الجرائم في حدودها، فقد يكون فيها القتل العمد وزيادة، وقد تكون فيها السرقة وزيادة، وقد يكون فيها الزنا وزيادة، كان ما أوجبه الله تعالى على هؤلاء المحاربين من العقوبة الدنيوية، والتي فصلتها الآية تفصيلا دقيقا، وأوجب إيقاعها على التوالي في الدنيا، والخزي فيها وله في الآخرة عذاب عظيم قال: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة/33.([12])
ولكي تكمل الصورة سنتناول مفهوم الإرهاب في مصادرنا والمصادر الغربية لنعلم مدى التوافق بين الحرابة وبين الإرهاب الذي يقومون به.

10 - تفسير آية الحرابة وأقوال المفسرين فيها: 
وحتى لا نقول في الآية قولا بمعزل عن أقوال المفسرين، فهم قد سبقونا في النظر فيها، فإن من المفروض علينا وما يحتمه علينا المنهج التفسيري القويم، وهو ضرورة الرجوع إلى القرآن أولا ثم النظر في سنة النبي ثم الأخذ بأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان، في كل ما قالوه في تفسير وبيان المراد من النص، فهم أعلم منا بالتنزيل وظروفه وأسباب النزول، أما إذا كان هناك ظرفا معينا نعيشه لا يشابه الظرف الذي عاشوه، إذ ليس كل ما نزل من القرآن له أسباب نزول، فهناك آيات نزلت لزمانهم ولمعالجة ظرف وحركة الحياة التي كانوا يعيشونها وقت التنزيل، بينما هناك الكثير من آيات القرآن لم تنزل لزمانهم الذي عاشوه، وإنما نزلت لزماننا الذي نعيشه، وهذا من إعجاز القرآن في أن وحيه لم يكن محصورا في الماضي ولا في الزمن المعاصر لنزوله، وإنما كان للزمن المستقبل بالنسبة لهم وهو زماننا الذي نعيشه وما سيكون مستقبلا لنا أيضا، وهذا المعنى مقتبسا من قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌفصلت/53، فقرأها الصحابة سنريهم، بالإستقبال، وقرأها التابعون سنريهم وقرأها تابعي التابعين سنريهم وقرأها الذين جاؤوا بعدهم سنريهم وكل جيل جاء بعدهم قرأها سنريهم سنريهم سنريهم، حتى جاء عصرنا فقرأناها سنريهم وسيقرؤها من يجيء بعدنا سنريهم، وهكذا يتجدد الوحي القرآني ويتفجر عن علم ووحي جديد، يتبين فيه لكل جيل أن هذا الوحي هو الحق المبين.
وتأسيسا على هذا الفهم نقول لا جناح على من سعى بين التفسير والبيان أن يطوّف بهما، ومن هذا المنطلق سنتعامل مع كثير من نصوص الكتاب الكريم التي سنعيد النظر فيها ومنها آية الحرابة التي نحن بصددها، فإننا نجد أنها بحاجة إلى بيان وتأصيل لمعاني أخرى ما تطرق إليها المفسرون الأقدمون، ليس لأنهم جهلوا وحاشاهم ولا لأنهم
كسلوا، لا ولكن الأمر كان مرده لأسباب ثلاثة:
الأول: - منها: لم يكن هناك ظرف مناسب لإسقاط النص القرآني عليه، فلم يمر بالمسلمين وخاصة في العهود الأولى من التابعين الذين ظهر فيهم التفسير والمفسرين حالات من الإعتداءات الرهيبة التي نراها اليوم من قتل وتشريد وانتهاك للحرمات واستهانة بالدماء والأعراض واستهتار بالقيم والمبادئ، حتى يمكن إسقاط آية الحرابة عليها.
الثاني: - ربما لم تكن الصورة واضحة للعلماء والمفسرين لمعنى الآية وأبعادها الحقيقة، كما وضحت عندنا ولا أقصد أننا أعلم منهم، لا وإنما كان جل المفسرين وربما جيل التابعين، لا يتصور أنه يمكن أن تحدث مثل هذه الفتن العظيمة في زمانهم، وكان جل تصورهم ينصب على قاطع الطريق، رغم أنهم كانوا ينزلون حكم الحرابة على قاطع الطريق، ولكن الذي ينبغي أن يعلم أن حوادث قطع الطريق في أشد حالاتها لم تكن تشكل ظرفا مناسبا لآية الحرابة، ويلحظ هذا من شدة العقوبة المترتبة على من يقوم بالحرابة على الناس كما نراه اليوم.
الثالث: - وهناك تعليل ثالث له علاقة بالسبب الثاني هو أن كل المفسرين الذين جاؤوا بعد الإمام الطبري رحمه الله، إنما اعتمدوا في تفسير هذه الآية على ما أورده الطبري في تفسيره، من أن سبب النزول كان حادثة العرنيين والتي قال عنها أحمد شاكر أنها باطلة لوقوعها بعد نزول الآية بكثير وأن هذه الرواية لا تقوم بها حجة.
وعليه فإن منهجنا في تأصيلنا لتفسير هذه الآية وغيرها هو إيراد أقوال المفسرين، ومناقشتهم علميا في هذه الأقوال، ومنها أقوالهم في تفسير آية الحرابة، فقد ذكر الإمام الطبري في تفسيره ما يلي: "فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى: }إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله{، وَهَذَا بَيَان مِنْ اللَّه عَزَّ ذِكْره، عَنْ حُكْم الْفَسَاد فِي الْأَرْض الَّذِي ذَكَرَهُ فِي قَوْله: ﴿مِنْ أَجْل ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيل أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضالمائدة/32، أَعْلَمَ عِبَاده مَا الَّذِي يَسْتَحِقّ الْمُفْسِد فِي الْأَرْض مِنْ الْعُقُوبَة وَالنَّكَال، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَا جَزَاء لَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْقَتْل وَالصَّلْب وَقَطْع الْيَد وَالرِّجْل مِنْ خِلَاف أَوْ النَّفْي مِنْ الْأَرْض، خِزْيًا لَهُمْ; وَأَمَّا فِي الْآخِرَة إِنْ لَمْ يَتُبْ فِي الدُّنْيَا فَعَذَاب عَظِيم .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِل: وَكَيْفَ يَجُوز أَنْ تَكُون الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْحَال الَّتِي ذَكَرْت مِنْ حَال نَقْضِ كَافِر مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل عَهْده، وَمِنْ قَوْلك إِنَّ حُكْم هَذِهِ الْآيَة حُكْم مِنْ اللَّه فِي أَهْل الْإِسْلَام دُون أَهْل الْحَرْب مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؟ قِيلَ: جَازَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ حُكْم مَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا مِنْ أَهْل ذِمَّتنَا وَمِلَّتنَا وَاحِد، وَاَلَّذِينَ عُنُوا بِالْآيَةِ كَانُوا أَهْل عَهْد وَذِمَّة، وَإِنْ كَانَ دَاخِلًا فِي حُكْمهَا كُلّ ذِمِّيّ وَمِلِّيّ، وَلَيْسَ يَبْطُل بِدُخُولِ مَنْ دَخَلَ فِي حُكْم الْآيَة مِنْ النَّاس، أَنْ يَكُون صَحِيحًا نُزُولهَا فِيمَنْ نَزَلَتْ فِيهِ.
وَقَوْله: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله الْآيَة، حُكْم مِنْ اللَّه فِيمَنْ حَارَبَ وَسَعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا بِالْحِرَابَةِ، قَالُوا: وَالْعُرَنِيُّونَ اِرْتَدُّوا وَقَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله، فَحُكْمهمْ غَيْر حُكْم الْمُحَارِب السَّاعِي فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام وَالذِّمَّة، وقال في موضع آخر: وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْمُسْتَحِقّ اِسْم الْمُحَارِب لِلَّهِ وَرَسُوله الَّذِي يَلْزَمهُ حُكْم هَذِهِ، فَقَالَ بَعْضهمْ : هُوَ اللِّصّ الَّذِي يَقْطَع الطَّرِيق، وَالْمُحَارِب عِنْدنَا مَنْ حَمَلَ السِّلَاح عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مِصْرٍ أَوْ خَلَاء، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى غَيْر نَائِرَة كَانَتْ بَيْنهمْ وَلَا دَخل وَلَا عَدَاوَة، قَاطِعًا لِلسَّبِيلِ وَالطَّرِيق وَالدِّيَار، مُخِيفًا لَهُمْ بِسِلَاحِهِ، فَإنْ قَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ قَتَلَهُ الْإِمَام كَقَتْلِهِ، والْمُحَارِبُ لَيْسَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول فِيهِ عَفْوٌ وَلَا قَوَد.([13])
حَدَّثَنِي عَلِيّ قَالَ: ثنا الْوَلِيد قَالَ: سَأَلْت عَنْ ذَلِكَ اللَّيْثَ بْن سَعْد وَابْن لَهِيعَة، قُلْت: تَكُون الْمُحَارَبَة فِي دُور الْمِصْر وَالْمَدَائِن وَالْقُرَى؟ فَقَالَا: نَعَمْ، إِذَا هُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِمْ بِالسُّيُوفِ عَلَانِيَة، أَوْ لَيْلًا بِالنِّيرَانِ، قُلْت: فَقَتَلُوا أَوْ أَخَذُوا الْمَال وَلَمْ يَقْتُلُوا؟ فَقَالَ: نَعَمْ هُمْ الْمُحَارِبُونَ، فَإِنْ قَتَلُوا قُتِلُوا، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَأَخَذُوا الْمَال قُطِعُوا مِنْ خِلَاف، إِذَا هُمْ خَرَجُوا بِهِ مِنْ الدَّار، لَيْسَ مَنْ حَارَبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْخَلَاء وَالسَّبِيل، بِأَعْظَم مِنْ مُحَارَبَة مَنْ حَارَبَهُمْ فِي حَرِيمهمْ وَدُورهمْ.
وعَنْ مُجَاهِد: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا قَالَ: الْفَسَادُ: الْقَتْل، وَالزِّنَا، وَالسَّرِقَة، وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَال عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْل مَنْ قَالَ: الْمُحَارِب لِلَّهِ وَرَسُوله مَنْ حَارَبَ فِي سَابِلَة الْمُسْلِمِينَ وَذِمَّتهمْ، وَالْمُغِير عَلَيْهِمْ فِي أَمْصَارهمْ وَقُرَاهُمْ حِرَابَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَال بِالصَّوَابِ; لِأَنَّهُ لَا خِلَاف بَيْن الْحُجَّة أَنَّ مَنْ نَصَبَ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ، عَلَى الظُّلْم مِنْهُ لَهُمْ أَنَّهُ لَهُمْ مُحَارِب، وَلَا خِلَاف فِيهِ.
فَاَلَّذِي وَصَفْنَا صِفَته، لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ لَهُمْ مُنَاصِب حَرْبًا ظُلْمًا، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَسَوَاء كَانَ نَصْبه الْحَرْب لَهُمْ فِي مِصْرهمْ وَقُرَاهُمْ أَوْ فِي سُبُلهمْ وَطُرُقهمْ، فِي أَنَّهُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُحَارِبٌ بِحَرْبِهِ مَنْ نَهَاهُ اللَّه وَرَسُوله عَنْ حَرْبه .
وعَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا قَالَ : الزِّنَا، وَالسَّرِقَة، وَقَتْل النَّاس، وَإِهْلَاكُ الْحَرْث وَالنَّسْل، فَإِنَّهُ يَعْنِي: يَعْمَلُونَ فِي أَرْض اللَّه بِالْمَعَاصِي مِنْ إِخَافَة سُبُل عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ بِهِ, أَوْ سُبُل ذِمَّتهمْ وَقَطْع طُرُقهمْ, وَأَخْذ أَمْوَالهمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا, وَالتَّوَثُّب عَلَى حُرُمهمْ فُجُورًا وَفُسُوقًا.
وَلَيْسَتْ تُحْرِز هَذِهِ الْآيَة الرَّجُل الْمُسْلِم مِنْ الْحَدّ، إِنْ قَتَلَ أَوْ أَفْسَدَ فِي الْأَرْض أَوْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله،  ثُمَّ لَحِقَ بِالْكُفَّارِ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ, لَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَام فِيهِ الْحَدّ الَّذِي أَصَابَ.
وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فعَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ, قَالَا: قَالَ: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ المائدة/33، نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُشْرِكِينَ، انتهى كلام الطبري .
وكذلك ابن كثير في تفسيره لهذه الآية حيث قال: "حَدَّثَنِي الْحَارِث, قَالَ سَمِعْت السُّدِّيّ يَسْأَل عَطِيَّة الْعَوْفِيّ, عَنْ رَجُل مُحَارِب خَرَجَ فَأَخَذَ وَلَمْ يُصِبْ مَالًا وَلَمْ يُهْرِق دَمًا. قَالَ: النَّفْي بِالسَّيْفِ; وَإِنْ أَخَذَ مَالًا فَيَده بِالْمَالِ وَرِجْله بِمَا أَخَافَ الْمُسْلِمِينَ; وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذ مَالًا: قُتِلَ ; وَإِنْ هُوَ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال: صُلِبَ، فَتَأْوِيله: إِنَّ الَّذِي يُحَارِب اللَّه وَرَسُوله, وَيَسْعَى فِي الْأَرْض فَسَادًا، لَنْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَسْتَحِقّ الْجَزَاء بِإِحْدَى هَذِهِ الْخِلَال الْأَرْبَع الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّه عَزَّ ذِكْره، لَا أَنَّ الْإِمَام مُحَكَّم فِيهِ، وَمُخَيَّر فِي أَمْره كَائِنَة مَا كَانَتْ حَالَته، عَظُمَتْ جَرِيرَته أَوْ خَفَّتْ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لِلْإِمَامِ قَتْل مَنْ شَهَرَ السِّلَاح مُخِيفًا السَّبِيل وَصَلْبه، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذ مَالًا وَلَا قَتَلَ أَحَدًا, وَكَانَ لَهُ نَفْي مَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَال وَأَخَافَ السَّبِيل .
ومَا صَحَّتْ بِهِ الْآثَار: أن عثمان رضي الله عنه، أشرف على أصحابه وهو محصور فقال : علام تقتلونني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمدا فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي منه ولا ارتددت منذ أسلمت، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله}.([14])
عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب، أَنَّ الصَّلْت كَاتِب حِبَّان بْن شُرَيْح, أَخْبَرَهُمْ أَنَّ حِبَّان كَتَبَ إِلَى عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز: أَنَّ نَاسًا مِنْ الْقِبْط قَامَتْ عَلَيْهِمْ الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمْ حَارَبُوا اللَّه وَرَسُوله وَسَعَوْا فِي الْأَرْض فَسَادًا، وَأَنَّ اللَّه يَقُول: }إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّع أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلهمْ مِنْ خِلَاف{ وَسَكَتَ عَنْ النَّفْي، وَكَتَبَ إِلَيْهِ: فَإِنْ رَأَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُمْضِيَ قَضَاء اللَّه فِيهِمْ، فَلْيَكْتُبْ بِذَلِكَ وَهُوَ النَّفْي مِنْ بَلْدَة إِلَى أُخْرَى غَيْرهَا أَوْ السِّجْن، فَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا شَكّ أَنَّهُ إِذَا نُفِيَ مِنْ بَلْدَة إِلَى أُخْرَى غَيْرهَا فَلَمْ يُنْفَ مِنْ الْأَرْض، بَلْ إِنَّمَا نُفِيَ مِنْ أَرْض دُون أَرْض، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِنَفْيِهِ مِنْ الْأَرْض، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى نَفْيه مِنْ الْأَرْض إِلَّا بِحَبْسِهِ فِي بُقْعَة مِنْهَا عَنْ سَائِرهَا، فَيَكُون مَنْفِيًّا حِينَئِذٍ عَنْ جَمِيعهَا.
ويضيف القرطبي : وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْم مِنْ أَهْل الْكِتَاب كَانَ بَيْنهمْ وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد، فَنَقَضُوا الْعَهْد وَقَطَعُوا السَّبِيل وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْض، وَفِي مُصَنَّف أَبِي دَاوُد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله إِلَى قَوْله: ﴿غَفُور رَحِيم نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي الْمُشْرِكِينَ، فَمَنْ أُخِذَ مِنْهُمْ قَبْل أَنْ يُقْدَر عَلَيْهِ لَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَام عَلَيْهِ الْحَدّ الَّذِي أَصَابَهُ، وَمِمَّنْ قَالَ: إِنَّ الْآيَة نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ، عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ.

11 - توصيف الفقهاء للحرابة :
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي: الْآيَة نَزَلَتْ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْطَع السَّبِيل وَيَسْعَى فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ، قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : قَوْل مَالِك صَحِيح. ([15])قَوْله تَعَالَى: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْض النَّفْي: أَصْله الْإِهْلَاك; وَمِنْهُ الْإِثْبَات"، وَالنَّفْي: فَالنَّفْي الْإِهْلَاك بِالْإِعْدَامِ; وَمِنْهُ النُّفَايَة لِرَدِيِّ الْمَتَاع، وَمِنْهُ النَّفِيّ لِمَا تَطَايَرَ مِنْ الْمَاء عَنْ الدَّلْو، حَتَّى إِنَّ السَّارِق إِذَا دَخَلَ بِالسِّلَاحِ يَطْلُب الْمَال، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ أَوْ صِيحَ عَلَيْهِ وَحَارَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ مُحَارِب، حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُحَارِب، قَالَ الْقَاضِي اِبْن الْعَرَبِيّ: كُنْت فِي أَيَّام حُكْمِي بَيْن النَّاس إِذَا جَاءَنِي أَحَد بِسَارِق، وَقَدْ دَخَلَ الدَّار بِسِكِّينٍ يَحْبِسهُ عَلَى قَلْب صَاحِب الدَّار وَهُوَ نَائِم، وَأَصْحَابه يَأْخُذُونَ مَال الرَّجُل، حَكَمْت فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمُحَارِبِينَ، فَافْهَمُوا .. هَذَا مِنْ أَصْل الدِّين، وَارْتَفِعُوا إِلَى يَفَاع([16]) الْعِلْم عَنْ حَضِيض الْجَاهِلِينَ، كَذَا قَالَ أَهْل اللُّغَة قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُوله وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَر[17]ض فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا فَأَمَرَ تَعَالَى بِإِقَامَةِ الْحُدُود عَلَى الْمُحَارِب إِذَا جَمَعَ شَيْئَيْنِ مُحَارَبَة وَسَعْيًا فِي الْأَرْض بِالْفَسَادِ, وَلَمْ يَخُصّ شَرِيفًا مِنْ وَضِيع، وَلَا رَفِيعًا مِنْ دَنِيء، وَإِذَا خَرَجَ الْمُحَارِبُونَ فَاقْتَتَلُوا مَعَ الْقَافِلَة فَقَتَلَ بَعْضُ الْمُحَارِبِينَ وَلَمْ يَقْتُل بَعْضٌ قُتِلَ الْجَمِيع .
وَقَالَ الشَّافِعِيّ: لَا يُقْتَل إِلَّا مَنْ قَتَلَ، وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيف; فَإِنَّ مَنْ حَضَرَ الْوَقِيعَة شُرَكَاء فِي الْغَنِيمَة وَإِنْ لَمْ يَقْتُل جَمِيعهمْ; وَقَدْ اُتُّفِقَ مَعَنَا عَلَى قَتْل الرِّدْء وَهُوَ الطَّلِيعَة، فَالْمُحَارِب أَوْلَى, وَإِذَا أَخَافَ الْمُحَارِبُونَ السَّبِيل وَقَطَعُوا الطَّرِيق، وَجَبَ عَلَى الْإِمَام قِتَالهمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَدْعُوَهُمْ، وَوَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ التَّعَاوُن عَلَى قِتَالهمْ وَكَفّهمْ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اِنْهَزَمُوا لَمْ يَتْبَع مِنْهُمْ مُدْبِرًا، إِلَّا أَنْ يَكُون قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ أُتْبِعَ لِيُؤْخَذ وَيُقَام عَلَيْهِ مَا وَجَبَ لِجِنَايَتِهِ; وَلَا يُذَفَّف مِنْهُمْ عَلَى جَرِيح إِلَّا أَنْ يَكُون قَدْ قَتَلَ; فَإِنْ أَخَذُوا وَوُجِدَ فِي أَيْدِيهمْ مَال لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ رُدَّ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى وَرَثَته، وَإِنْ لَمْ يُوجَد لَهُ صَاحِب جُعِلَ فِي بَيْت الْمَال; وَمَا أَتْلَفُوهُ مِنْ مَال لِأَحَدٍ غَرِمُوهُ; وَلَا دِيَة لِمَنْ قَتَلُوا إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ قَبْل التَّوْبَة، فَإِنْ تَابُوا وَجَاءُوا تَائِبِينَ وَهِيَ: لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِمْ سَبِيل، وَسَقَطَ عَنْهُمْ مَا كَانَ حَدًّا لِلَّهِ وَأُخِذُوا بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَاقْتُصَّ مِنْهُمْ مِنْ النَّفْس وَالْجِرَاح، وَكَانَ عَلَيْهِمْ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ مَال وَدَم لِأَوْلِيَائِهِ فِي ذَلِكَ، وَيَجُوز لَهُمْ الْعَفْو وَالْهِبَة كَسَائِرِ الْجُنَاة مِنْ غَيْر الْمُحَارِبِينَ; هَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي ثَوْر وَأَصْحَاب الرَّأْي.
وَإِنَّمَا أُخِذَ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ الْأَمْوَال وَضَمِنُوا قِيَمَة مَا اِسْتَهْلَكُوا; لِأَنَّ ذَلِكَ غَصْب فَلَا يَجُوز مِلْكه لَهُمْ، وَيُصْرَف إِلَى أَرْبَابه أَوْ يُوقِفهُ الْإِمَام عِنْده حَتَّى يَعْلَم صَاحِبه، وَقَالَ قَوْم مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ: لَا يُطْلَب مِنْ الْمَال إِلَّا بِمَا وُجِدَ عِنْده، وَأَمَّا مَا اِسْتَهْلَكَهُ فَلَا يُطَالَب بِهِ، وَذَكَرَ الطَّبَرِيّ ذَلِكَ عَنْ مَالِك مِنْ رِوَايَة الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْهُ، وَهُوَ الظَّاهِر مِنْ فِعْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِحَارِثَة بْن بَدْر الْغُدَانِيّ، فَإِنَّهُ كَانَ مُحَارِبًا ثُمَّ تَابَ قَبْل الْقُدْرَة عَلَيْهِ، فَكَتَبَ لَهُ
بِسُقُوطِ الْأَمْوَال وَالدَّم عَنْهُ كِتَابًا مَنْشُورًا.
 قُلْت : فَهَذِهِ جُمْلَة مِنْ أَحْكَام الْمُحَارِبِينَ جَمَعْنَا غُرَرهَا، وَاجْتَلَبْنَا دُرَرهَا ; وَمِنْ أَغْرَبِ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرهَا وَهِيَ: تَفْسِير مُجَاهِد لَهَا ; الْمُرَاد بِالْمُحَارَبَةِ فِي هَذِهِ الْآيَة الزِّنَى وَالسَّرِقَة ; وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ ; فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه بَيَّنَ فِي كِتَابه وَعَلَى لِسَان نَبِيّه أَنَّ السَّارِق تُقْطَع يَده، وَأَنَّ الزَّانِي يُجْلَد وَيُغَرَّب إِنْ كَانَ بِكْرًا، وَيُرْجَم إِنْ كَانَ ثَيِّبًا مُحْصَنًا، وَأَحْكَام الْمُحَارِب فِي هَذِهِ الْآيَة مُخَالِف لِذَلِكَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرِيد إِخَافَة الطَّرِيق بِإِظْهَارِ السِّلَاح قَصْدًا لِلْغَلَبَةِ عَلَى الْفُرُوج، فَهَذَا أَفْحَشُ الْمُحَارَبَة، وَأَقْبَحُ مِنْ أَخْذ الْأَمْوَال، وَقَدْ دَخَلَ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْض فَسَادًا، قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَيُنَاشَد اللِّصّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ كَفَّ تُرِكَ وَإِنْ أَبَى قُوتِلَ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْته فَشَرّ قَتِيل وَدَمه هَدَر .
ورَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي؟ قَالَ: فَانْشُدْ بِاَللَّهِ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ، قَالَ: فَانْشُدْ بِاَللَّهِ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ: فَانْشُدْ بِاَللَّهِ قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ: فَقَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّة وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّار}.([18])
قُلْت: وَقَدْ اِخْتَلَفَ مَذْهَبنَا إِذَا طُلِبَ الشَّيْء الْخَفِيف كَالثَّوْبِ وَالطَّعَام هَلْ يُعْطُونَهُ أَوْ يُقَاتِلُونَ؟ وَهَذَا الْخِلَاف مَبْنِيّ عَلَى أَصْل، وَهُوَ هَلْ الْأَمْر بِقِتَالِهِمْ لِأَنَّهُ تَغْيِير مُنْكَر أَوْ هُوَ مِنْ بَاب دَفْع الضَّرَر؟.




[1]  / كل ما جاء به القرآن فهو حقائق وليس نظريات، وكل ما كان من نتاج الفكر دون أن تؤيده الحقائق الكونية والعلم التجريبي فهو من قبيل النظريات، يراجع بحثنا في نظرية الحشد الجماهيري تفسيرا وتأصيلا
[2] / شداد بن أوس المحدث:ابن عبدالبر - المصدر: جامع بيان العلم - الصفحة أو الرقم: 2/813 وهذا حديث لا يصح مرفوعا، وإنما الصحيح فيه أنه من قول أبي الدرداء.
[3]/ إبن عاشور ، التحرير والتنوير،الدار التونسية للنشر، ط/1984 ج/9 ،ص/310.
[4]  / لراوي: النواس بن سمعان المحدث:الوادعي - المصدر: أحاديث معلة - الصفحة أو الرقم: 382 خلاصة حكم المحدث: رواه داود بن رشيد فخالف الناس في إسناده ، فقد رواه [أربعة] عن سلمة بن نفيل
[5] / انظر تفسير ابن كثير 3/68.
[6] / مفهوم الإرهاب بين الإسلام والغرب د. محمود يوسف الشوبكي  ص/ 4 بتصرف.
[7]  / في العهدة العمرية وضع فاروق الإسلام ، فقرة تنص على أن من ضرب مسلما فقد نقض العهد المبرم بينهم"
[8]  / الحديث رواه عبدالله بن مسعود المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7076 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[9]  / الحرابة : دراسة فقهية مقارنة  مصطفى حسين 32، وانظر أحكام البغاة والمحاربين في الشريعة والقانون الجنائي د. عبد العزيز حسين 48
[10]  / المنظور الديني والقانوني لجرائم افرهاب د. عبد الخالق 13، وانظر الجرائم الإرهابية د. إمام حسين 48، وكذلك المشاركة في الحرابة وعقوبتها في الشريعة الإسلامية عبد الحكيم المغربي.
[11]  / انظر المفردات للراغب الأصفهاني حرف الحاء.
[12]  / الحرابة دراسة مقارنة/ عبدالله بن سعد الرشيد/ جامعة المللك عبد العزيز، كلية الشريعة، مكة المكرمة. ص/21.
[13]  / قلت يعني لا بد من القصاص وهو القتل بالمثل.
[14] / الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 1/224، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح
[15]  / قلت: هناك فارق في أن يكون الخارج من المسلمين في أن يقتل أو يسرق في فلاة فقد يتوب، ولكن الذين يقتلون المسلمين بالآلاف وهم في بيوتهم وأوطانهم، ويدخلون عليهم بيوتهم فيروعونهم ويذبحونهم ذبح النعاج بعد أن يغتصبون نسائهم ويذبحوا أطفالهم أمام أعينهم أو يهدمون بيوتهم على رؤوسهم، وهم أصلا ينتمون إلى فرق ضالة وكافرة فهؤلاء هم أئمة الكفر الذين لا ايمان لهم
[16]  /  الْيَفَع أَعْلَى الْجَبَل وَمِنْهُ غُلَام يَفَعَة إِذَا اِرْتَفَعَ إِلَى الْبُلُوغ ; وَالْحَضِيض الْحُفْرَة فِي أَسْفَل الْوَادِي، انظر المفردات للراغب الأصفهاني، ص/   .
[18] / أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم عن  أبي هريرة المحدث:أحمد شاكر – ومصدر هذا الحديث مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 16/199 ،خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح - وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْر الْمُنَاشَدَة –




مَفْهُوم الْحِرابَةِ في الإسْلام
وَعِلاقتُها بِالِإرْهابِ المُعاصِر
دِرَاسَةً وَتَأصِيًلا

بقلم الدكتور
                                    
عامر نايف حمد الزوبعي
الجزء الثاني
12 - تعقيب على ما قاله المفسرون والفقهاء:
وحيث أن لغة القرآن حمالة لوجوه من المعاني، وكذلك من الثابت أصولياً وهو معلوم من الدين بالضرورة "أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، وفي حصر المفسرين هذه القضية فيمن قطع الطريق على المسلمين في سفرهم في فلاة كلام فيه نظر، والآية صريحة بالعموم سببا ومنطوقا، فَلِمَ يخصص المعنى العام ولا دلالة على التخصيص، وكذلك لم يصح أن الآية نزلت بسبب اعتداء العرنيين على الراعاة، فإن الآية نزلت قبل اعتداء العرنيين بكثير، وقد علق الشيخ أحمد شاكر في حاشيته على تفسير الطبري([1]): بقوله: "وهذا الخبر ضعيف جدا، وهو أيضا لا يصح؛ لأن جرير بن عبد الله البجلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفي فيه، وخبر العرنيين كان في شوال سنة ست، في رواية الواقدي([2])، وكان أمير السرية كرز بن جابر الفهري، وذلك قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة 11 من الهجرة بأعوام، وهذا الخبر ذكره الحافظ ابن حجر، في ترجمة "جرير بن عبد الله البجلي" وضعفه جدا، أما ابن كثير فذكره في تفسيره، وهو جرير ابن عبد الله البجلي، وتقدم في صحيح مسلم أن هذه السرية كانوا عشرين فارسا من الأنصار، وأما قوله: "فكره الله سمل الأعين" فإنه منكر، وقد تقدم في صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاء، فكان ما فعل بهم قصاصا، والله أعلم".([3])، وبالتالي فلم يكن ما فعله العرنيون سببا في نزول الآية .
ولأن هذه الأفعال التي كلها من الكبائر تخرج صاحبها من الأسلام على تفصيل بين الفقهاء، والمهم هنا هو إنكار أو رفض التخصيص للعام من غير دليل أو قرينة تستوجب هذا التخصيص .
    والحقيقة التي ينبغي أن نعيها ونحن نتعرّض لتفسير الآيات القرآنية، التي سبق وأن تعرّض لها المفسرون، هذه الحقيقة هي أننا بحكم احترامنا واعتزازنا بشيوخنا من المفسرين والمحدثين، والذين كان لهم شرف العلم الذي برعوا في مجالاته المتعددة، فهم فطاحل في اللغة والأدب والبيان والتفسير والحديث والأسانيد والرجال والقراءات والتأريخ، وو... فكان أحدهم كما يقال موسوعيا، وحين وصلت إلينا تفاسيرهم عبر مئات السنين، وكانوا حديثوا عهد بعصر النبوة وعهد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فقد أكسبهم ذلك احتراما وقداسة، وشرعية ليس من السهل اسقاطها ولا يليق بنا ذلك، ولا نفكر فيه.
أقول: ولكن هذا لا يعني أنهم كانوا قد أصابوا كبد الحقيقة في كل ما قالوه وما تعرّضوا له، ولا أريد أن يُفهم قصدي خطأ، فإن هذا القرآن معجز ومن إعجازه أنه لم ينزل لكي يكون وحيه خاصا بالزمن الذي نزل فيه، والذي هو زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وطبيعي هو لم ينزل ليبين ويخبر عن الماضي فحسب فيُحجرَ فيه، ولا كذلك لينبئ عن المستقبل فقط، وإنما نزل ليشمل وحيه كل الزمن، كما يسع الأرض من أطرافها، فهو لكل زمان ومكان ولكل جيل وقبيل، هذه الحقيقة كان ينبغي أن تكون معلومة ولا تغيب، لكن الأمر ليس هكذا، فالمفسرون الذين لم يعاصروا التنزيل، وعاشوا في فترات العز والمجد الإسلامي الأثيل، والذي فتح جناحيه على الآفاق، ودانت له كل الأرض، وداس بأرجله الحافية على عروش كسرى وقيصر، وركز على بقايا يهود، ومهزومي نصارى العالم، ومخذولي مجوس الفرس، فكان المفسرون الذين تعرضوا لتفسير القرآن تتوجه أنظارهم مباشرة إلى جهة الماضي، ولم يلتفت أحدهم إلى المستقبل الذي يشمله ويحتويه وحي القرآن ولا ريب، ولكن لم يكن للمفسرين به حاجة لذلك، فحين تعرضوا لأيات تشمل بوحيها الزمن المستقبل الذي ما كان لهم تصور واضح عنه، فأخطئوا الحكم فيه وهم معذورون، ولقد أكد هذه الحقيقة علماء الأصول حين قالوا: "معرفة الحكم فرع عن تصوره".
    ولعلنا نحتاج إلى أن نقرب المعنى بمثال، حين كان الصحابة يعانون من جهد ومشقة في غزوة ذات الرقاع، حيث أدميت أقدامهم من وعورة الطريق وشدة معاناة السير وقلة المؤونة، رجال مؤمنون قلة إذا قيسوا بالكافرين الذين يحيطون بهم من كل جهات الأرض، وجدتهم قلة لا قيمة لهم في ميزان القوى، فقراء حفات عرات أحدهم لا يملك من الدنيا غير سيفه ودرعه، وكان تعيين الجندي الواحد منهم في اليوم تمرة، تمرة واحدة فقط فكان أحدهم لا يأكلها مرة واحدة فيجوع باقي نهاره، وإنما كان يمصها من خلال ثيابه لتكفيه سائر يومه، وفي هذا الحال العصيب ينزل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِالتكاثر/8 ، فقد أورد السيوطي في الدر المنثور عن الحسن قال: {لما نزلت هذه الآية: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِقالوا يا رسول الله: أي نعيم نُسأل عنه وسيوفنا على عواتقنا والأرض كلها لنا حربٌ، يصبح أحدنا بغير غداء ويمسي بغير عشاء ؟ قال: عُني بذلك قوماً يكونون بعدكم، أنتم خيرٌ منهم قالوا يا رسول الله: أي نعيم نُسأل عنه وسيوفنا على عواتقنا ويفشو فيهم السمن}.([4]) 
صدقت يارسول الله فالجفنات عندنا لم تعد تكفي فقد فرشنا موائد في الصباح أشكالا، وموائد في الغداء ألوانا، وفي العشاء أنواعا، مع الحلوى والمرطبات، فكانت ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾التكاثر/8 لنا نحن مسلمي آخر الزمان والله المستعان، وآية الحرابة شانها هكذا لم تسقط على الواقع إسقاطا صحيحا وهي على زماننا اليوم تنطبق أيما انطباق.
ثمَّ إن لدينا مفردات تشترك في معناها في الظاهر إلا أنها تختلف فيما بينها اختلافا كثيرا ولا يستهان به، فمن هذه المفردات:
أولا: مفردة "الحَرْب" والتي منها الحرابة، ومفردة "الإرهاب" والتي منها الترهيب، والفرق بين كل مفردة وما يتفرع عنها كما هو الفرق بين "القوة" و "البأس الشديد"، والناس يظنون أن لا فارق بينهما، لا .. هناك فارق كبير ودقيق بين الحرب التي تعني مجابهة نظامية بين جيشين متكافئين عسكريا أم لا، والتكافئ العسكري مسألة نسبية ولها علاقة وثيقة بالعدد والعدة والعتاد والتي يطلق عليها اللغويون:  " القوة المادية "  وبين " البأس الشديد " والذي هو "القوة المعنوية عند الجيش أو الطرف المقابل"،  فالقوة التي فسرها علماء اللغة والبيان هي: ما يستعان بها من الخارج قوة في البدن قوة في العدد قوة في السلاح ﴿فأعينوني بقوة أي بعدد وعدة، ﴿نحن أولو قوة أي عددا وعدة وعتادا، لكن حين وصف المؤمنين قال ﴿أولو بأس شديد أي ألو معنوايات قوية، لكن أمرهم بإعداد أقصى ما يستطيعون الإعداد من القوة فقال: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل .
    أما عن مفردة "الحرب" التي تجري على ألسنة الناس فهي الحرب النظامية بين جيشين استعدا للمواجهة والقتال في زمان معلوم ومكان معلوم، وقد استعد كل فريق وتهيأ لصاحبه من رجال وعتاد  وخبرة علمية وتكنلوجبة وتقنية وإعلامية وسياسية واقتصادية ونفير وو ، وقد تقع بين المسلمين وأعدائهم أو بين الكافرين ونظرائهم من المشركين والملحدين وما اليهم.
ومن خلال استقراء للأوصاف الجرمية للحرابة والتي بينها الفقهاء وإسقاطها على الواقع المعاش اليوم، يتبين لنا الحق وتتوضح لنا الصورة أكثر.
      
13 - الأوصاف الجرمية للحرابة :
من خلال استقرائي لقضية الحرابة، والتي نزلت آية المائدة تفصّل العقوبة عليها، ذهلت حين جمعت الأوصاف الجرميّة التي تدخل في حيثيات الحرابة، وقد كنت أظن بداية أن الحرابة تعني بعض الأعمال التي فيها اعتداء على الغير بحدود معينة، كما وصّفها المفسرون من إعتداء رجل أو مجموعة على أحد المسافرين في فلاة لأخذ ماله، ولكني وجدت من خلال تأصيلات العلماء الذين كتبوا فيها وبيّنوا مضمونها، بعضهم من الناحية الفقهية وبعضهم من الناحية القانونية، تبين أن الحرابة قضية كبيرة من قضايا الدين، ولها مستند شرعي عريض من القرآن ومن السنة النبوية، ومن تأصيلات الفقهاء وحكم القضاة في التأريخ الإسلامي، ويتبين حجمها الكبير كذلك من خلال تركيز النظر إلى العقوبات الفضيعة التي فصّلتها الآية الكريمة تفصيلا، ووجوب إيقاعها على فضاعتها كلها وليست مجزأة وإنما على اترتيب المذكور في الآية التي أطلق عليها آية الحرابة، ثم حين رأينا مجالات إسقاطها على واقع الأحداث اليوم تبين أنهها تشكل منهجا كاملا للتصدي لمن يقوم بها من قبل الظالمين ممثلين بدول وحكومات بل تعدى الأمر أن يشارك بها الدول العظمى كما يصفونها على ما تملك من قوى مادية وعسكرية وتكنلوجية وجيوش جرارة مثلما حدث ويحدث اليوم، فلماذا إذا وكيف حصر وضغط معناها، لتكون عقوبات لمن خرج على الناس في الطربق ليخيفهم، ويأخذ أموالهم وربما قتل البعض منهم ؟؟ وهذه حالات فردية وليست دائمة الحدوث في كل الزمن ولا في كل مكان !!. وما ذكره لنا التأريخ من صور الحرابة لا يساوي شيئا بالنسبة لما نراه اليوم واقعا ملموسا، إن نظرة بسيطة لحيثيات العقوبة الرباعية وطبيعة إيقاعها كلها مجتمعة لتؤكد وبصورة قاطعة أن الحرابة التي عناها القرآن وجعل لها هذه العقوبة العظيمة والرهيبة إنما ليقول للأمة أنكم يجب أن تكونوا بمستوى الأحداث الجارية فتقوموا للظالمين والمعتدين لتكسروا جبروتهم وترغموا أنوفهم وتوقعوا فيهم هذه العقوبة الرباعية العظيمة ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا: أولا: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا
ثانيا: ﴿أَوْ يُصَلَّبُوا
ثالثا: ﴿أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ
   رابعا:﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ثم بين تبعات جريمتهم في الدنيا والآخرة ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ مع الأخذ بالإعتبار تأكيد المفسرين على تتابع إيقاع العقوبات جمبعها و"أو" هنا ليست للتخيير كما قد يظن وإنما للعطف، لأن هذه الجرائم حين تقع من ظالم أو حكومة تملك الجيش والعتاد والسلاح فتهدم البيوت والمنشئات والمساجد وتقتل وتدمر فتهلك الحرث والنسل فلا يسلم من تدميرهم بناء ولا مسجد ولا مشفى ولا يسلم منهم شيخ كبير ولا امرأة ولا فتاة ولا طفل ولا حيوان ولا زرع وهذا كله داخل في قوله تعالى (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)البقرة/206، وحين نعلم أن الله قال أن الذين يفعلون ذلك إنما يحاربون الله ورسوله ويسعون.. ويسعون في الأرض فسادا ) فجزاؤهم "أن يقتّلوا تقتيلا.. ويصلبّوا تصليبا ويقطّعو تقطيعا من خلاف وينفون من الأرض بالقتل والإعدام" لكي يكونوا عبرة لغيرهم من المفسدين الذين ملئوا الأرض طغيانا وإفسادا في الأرض.
ولو أعترض على مسألة أن "أو" هنا لماذا قالوا عنها هي للعطف وليست للتخيير، فالجواب أن هذه الجريمة من مقتضياتها أنها تقع جماعية ونادرا ما تقع من مفرد فشدة الجريمة وفضاعتها واجتماع العقوبة الرباعية عليها لا تناسب عمل شخص أو مجموعة صغيرة، وإنما الظاهر منها أنها تشريع منهجي وتصدٍّ لحالة عظيمة من الحرب على الله وعلى رسوله وإعلان الفساد في الأرض بسعي وقوة وإهلاك الحرث والنسل إقتضت أن تكون العقوبة عليها هذه العقوبة الرباعية الفضيعة، فمن المعلوم في شريعة الإسلام وفي كل الشرائع أن القتل عمدا أو خطأ بسلاح له عقوبة بالقود وأن ذبحه كذبح النعاج أو حرقه بالنار وهو حي أو دفنه وهو حي لها عقوبات تناسبها، وأن السرقة لها عقوبتهاإذا كانت بليل وخفية، وأشد منها إذا كانت بترويع، والزنا وأغتصاب الأعراض له عقوبته إذا كان برضى، وهو أشد إذا كان بتخويف وإرعاب وترويع، ثم ذبح وإحراق للمغتصبات وهن أحياء، فماذا يمكن أن تكون العقوبة على هذا الإجرام الذي لا ولا يمكن أن يتصوره العقل؟ .
أليست هذه العقوبة الرباعية هي ما يناسبه، وتتمة الجواب فإنه لا يمكن أن يُعرف مَنْ مِنْ هؤلاء المعتدين يكون قد قتل فقط، ومن منهم زنى فحسب، ومن منهم الذي اكتفى بسرقة الأموال المقومة، ومن الذي روع دون باقي الجرائم، هذا شيء غير ممكن فعقوبة الحرابة الرباعية، ينبغي بالضرورة إيقاعها على الجميع، وكذلك بسبب أنه كان مشاركا لمجموع من قام بفعل الحرابة والإرهاب، والفقهاء أكدوا في تأصيلاتهم أن العقوبة الرباعيىة تشمل حتى الذين يدلون على المال أو دلهم على مختبئ ولو بالإشارة فإنه مشارك في الجرم.
القضية كبيرة ولها تأصيل وتوثيق عند الفقهاء، وينبغي أن تقدّر بقدرِها، وأن تُعطى حقها من الدراية والإهتمام وإلا نحن مسؤولون أمام الله في الآخرة، وأمام التأريخ والناس في الدنيا، إذا تركنا هذه القضية بلا تأصيل ولا تفعيل لها في أرض الواقع، هذه المسؤولية تجاه هذا الواقع المأساوي تحتم علينا أن نظرب على أيدي الظالمين ونردعهم عن هذا الإفساد وهذه الحرابة التي إستطالوا بها على أمة الإسلام، وقعود الأمة عن القيام بواجبها في التصدي، وقعود العلماء عن تحريضها على القتال والجهاد، يطمع الكفار فينا ويتمادون في النيل منا، وهذه من أهم وأخطر القضايا المركزية والمصيرية التي ينبغي أن تكون الشغل الشاغل للعلماء وأصحاب القرار .   
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا؟ لماذا يخصص عام وحي القرآن، الذي نزل لكي يحوي الدنيا والتأريخ والناس في الآفاق، وبدون سبب سوى التوهم من بعض المفسرين في سبب نزول الآية حيث ظنوا أن قصة العرنيين كانت السبب في نزولها، بينما الثابت هو أن الآية نزلت قبل حادثة العرنبيين بكثير كما ذكر ذلك احمد شاكر في حاشيته على الطبري، كما بينا من قبل.
وأظن هذا مما عمت به البلوى عند المسلمين في التعامل مع وحي القرآن، وأعجب لماذا هذه النظرة المقتصرة على الماضي في فهم النص القرآني، بحيث ننقله من محيطه العام وربما المطلق، وأحيانا نضغطه ونحصره في المجالات الخاصة أو الفردية فحسب، وكأن القرآن لم ينزل ألا للماضي ولا شأن له بالمستقبل، ولقد نبّه لذلك الراغب الأصفهاني في تفسيره القيم "المفردات في غريب القرآن" حيث عتب على بعض المفسرين كيف لم يوسعوا مفاهيمهم في تفسير بعض المعاني القرآنية، فقد عتب عليهم في تفسيرهم لبعض المعاني كما في كلمة "عسى" في قوله تعالى: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُم الإسراء/8، وفي غيرها فقد قال بالحرف: "عسى" طمع وترجى، وكثير من المفسرين فسّروا لعل وعسى في القرآن باللازم، وقالوا إن الطمع والرجاء لا يصح من الله، وفي هذا منهم قصور نظر،- كذا قال- وذاك أن الله تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجيا، لا لأن يكون هو تعالى يرجو، فقوله ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْالأعراف/129، أي كونوا راجين في ذلك، ﴿فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِالمائدة/52،
وغيرها أي أرجوا ربكم أن يهلك عدوكم، وأرجوا الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، وهكذا في جميع المواضع،([5])  وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: {مَن رأى مِنكُم مُنكرًا فليغيِّرهُ بيدِهِ، فإن لَم يَستَطِع فبِلسانِهِ، فإن لم يستَطِعْ فبقَلبِهِ، وذلِكَ أضعَفُ الإيمانِ}،([6]) فهم المسلمون منه أن هذا في حالات فردية، بينما الحديث لا يمكن إسقاطه على التصرف الفردي في تسعين في المائة من الحالات، وإنما هو تشريع دعوي للأمة كلها، ومنهج تربوي ترتقي به الأمة إلى أن تحارب المنكر في الأرض باليد، التي تعني القوة في تغيير المنكر، فإذا كانت الأمة بحالة من الضعف والخوف من بطش الحاكم إذا أعْتُرضَ عليه، فبالسان والبيان، وإذا كانت لا تجرؤ فبأضعف الإيمان حين تنكر المنكر بالقلب حتى تقوى، بينما نجد أن الإنكار بالقلب وحده لا يكفي، وهو غير مقبول منا اليوم أبدا، وذلك لأن إنكار المنكر لا بد أن يعتمد على قوة وسلطةمع البيان، وليس هناك منكر أكبر من أن يحكم في الأرض بغير ما أنزل الله، فلا بد أن يكون المسلمون مستندين ومنطلقين من قوة تحميهم ودولة تنصرهم في تغييره، وهذ هو السر في كون النبي صلى الله عليه وسلم هو النبي الوحيد الذي ستطاع أن يبني دولة الإسلام في الأرض في المدينة - إذا استثنينا داوود – عليه السلام إنطلقت منها الجيوش والبعوث والسرايا والدعاة فغيروا المنكر في الأرض بالقوة في الآفاق.
وهكذا نجد الكثير من القضايا المركزية والتي تشكل ربما محاور عالمية الطرح تعامل على أنها جزئيات صغيرة محصورة في فرد أو في حادثة أو في محيط ضيق، وعليه فإن آية الحرابة نزلت لمعالجة قضيّة من أكبر وأعم وأخطر مما حصرها فيه المفسرون، في القوم االعرنيين الذين قتلوا الرعاة واستاقوا إبل الصدقة، والذين عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كان مما يشمله منطوق النص أولا، وما يدخل في دائرة معناه العام والذي هو ليس خاصا به قطعا، فمن المعلوم البديهي أنه داخل في منطوق القاعدة الأصولية: " العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" ثانيا، والأمر الثالث هو أن هذه الآية كغيرها من الآيات التي لم تلق حظها من البيان الكامل من بعض المفسرين حين حملت على غير الوجه الذي كان ينبغي أن تحمل عليه،([7]وقد ذكرنا ما بينه أحمد شاكر من أن هذه القصة لا تقوم سببا لنزول هذه الآية لنزولها بعدها بسنين.
ونظرة بسيطة لهذه الحيثيات التي ذكرتها الآية، وفصّلها المفسرون وقعّدها الأصوليون، نجد الأمر يختلف كثيرا، فحين نقرأ الآية نجد أنها حددت وركّزت على جريمتين كبيرتين، ترتبت عليهما تلك العقوبات الأربعة الشديدة والمتوالية:  ألاولى : يحاربون الله ورسوله .
والثانية : يسعون في الأرض فسادا، فماذا يمكن أن يدخل في إطارهما؟ :
أولا: يحاربون الله ورسوله:  ويدخل في إطارها:
أولا: الكفر بالله تعالى من خلال جحوده وعدم الإيمان به سبحانه: }إن الذين يكفرون بأيات الله{
ثانيا: تعطيل الحكم بشرع الله ودينه سبحانه، والحكم بغير ما أنزل الله على رسوله في الأرض: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ المائدة/44،
ثالثا: الإستهزاء والسخرية بالدين وبأي شعيرة من شعائر الله والرضا بسب الله تعالى وسب رسوله وأهل بيته وصحابته المشهود لهم بالجنة: ﴿أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا النساء/140.
رابعا: الكفر بالنبي وبما جاء به صلى الله عليه وسلم عن الله، الإستهزاء والنيل من عرضه عليه الصلاة والسلام: بعد الكفر بالله ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًاالنساء/150.
خامسا: الصد عن سبيل الله وتبديل نعمته كفرا، واتباع مذاهب وضعية كالشيوعية والديمقراطية وكالفكر الرافضي والنصيري وإنهم ممن شملهم قول الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءًالحج/25.
سادسا: قتل النفس المسلمة بغير الحق واستباحة الأعراض بالزنا والإغتصاب، وسرقة أموالهم وحقوقهم، ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًاالفرقان/68.
سابعا: استحلال المحرمات والمنكرات والفواحش ونشر الفساد والشذوذ والإباحية والدعارة والمخدرات و..

ثانيا : يسعون في الأرض فسادا :
مجيئ مفردة يسعون في قوله تعالى: ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًاالمائدة/33 ولم تأت بصيغة أخرى ك" يفسدون .. أفسدوا .. ظهر الفساد" إلى غيرها من الصيغ التي فيها مرد الخبر عن الفساد والإفساد، وإنما قال: }وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا{ والسعي هو بذل أقصى المجهود، مما يوحي بأنهم أفسدوا أقصى ما يستطيعون من إفساد، ويدخل في هذا المعنى التكرار والتنويع والتحدي والإصرار، وهذه كلها محاربة لله وللرسول بتكبر وعناد، وهذا من أقصى الإفساد
 في الأرض، والذي يدخل في إطاره :
1/  يسعون في الأرض فسادا: الفساد هنا لفظ مطلق، فقد قالوا في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونالمائدة/32، أي مسرفون في الفساد.."
2/ القتل العمد: وبوحشية وتشفي، والمؤمن يستحيل أن يقتل مؤمنا متعمدا إلا خطأ بنص القرآن ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأًالنساء/93 ، أما هم فيقتلون المؤمنين متعمدين، ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا النساء/93، ولا يخلد في جهنم إلا من كان كافرا أو مشرك، وكما قال عليه الصلاة والسلام: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر}،([8]) وقوله: {إذا التقى المسلمانِ بسيفيهما فالقاتِلُ والمقتولُ في النَّارِ}.([9])  بينما هنا هم ليسوا مؤمنين بل ثبت كفر اليهود والنصارى والنصيرية ومن لم يحكم بغير ما أنزل الله فيشمله توصيف الكفر، بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
3/ السرقة فساد: وإفساد في الأرض: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِالمائدة/83، وعلى قدره فمن يسرق طعام فقير فقد آذاه ومن يسرق مال مسلم، فقد أفسد، ومن يسرق ينابيع البترول من أمة فيحرم الناس من حقهم الذي هو بيت مال المسلمين، ويدفئ به عاهرات أمريكا ولندن، فقد سرق
حقوق أمة بأكملها، فقد أفسد إفسادا كبيرا.
4/ استباحة اعراض الناس: بالزنا والإغتصاب من الإفسادا؟([10]): ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَالنور/2 .
5/ الإخافة بالسلاح: ومن الثابت في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يُشيرُ أحدُكم إلى أخيه بالسِّلاحِ . فإنَّه لا يدري أحدُكم لعلَّ الشَّيطانَ ينزِعُ في يدِه . فيقعَ في حُفرةٍ من النَّارِ}([11]) {لا ينبغي للمؤمن أن يروع أخيه}،([12])
6/ الإعتقالات العشوائية والسجون الرهيبة وتعذيب المعتقلين حتى الموت والتفنن فيه وبدم بارد وهم يضحكون. 
7/ تعذيب الجرحى في المستشفيات، وكثيرا ما اعتقلوهم وهم مصابين وقطع الدواء عنهم بل وتقييدهم على أسرتهم وتكسير أيديهم وأرجلهم وهم جرحى من جراء القصف أليس هذا إفسادا في الأرض كبير.
8/ قطع ارزاق الناس وتجويع النساء والأطفال والشيوخ، وقطع الماء والكهرباء والوقود، والدواء ومنع وصوله وما يحتاجون من طعام اليس هذا إفسادا..
9/ تشريد الناس في العراء بعد هدم المساكن على رؤوس ساكنيها، حتى في حالة خروجهم إلى بلدان مجاورة وليتهم يجدون الأمان أو شيء من العزة والكرامة فيها، بل يعاملون كمشردين ولاجئين، تتصدق عليهم عليهم الأمم المتحدة ببعض ما يجود به الأغنياء ، ويمنع أي دولة من الدول التي لها علاقات وثيقة معها في الدين والدم والنسب .([13])
10/ هدم المستشفيات والمساجد والمساكن الجماعية ، والتي لا مأوى للمستضعفين في الأرض غيرها.
11/ محاربة المدنيين بالأسلحة الثقيلة والكيميائية والممنوعة دوليا. وما سمع بذلك في كل التأريخ وفي كل الأرض، أن يضرب شعب من قبل حاكمه بهذه القسوة والهمجية.
12/ سرقة بيت مال المسلمين المتمثل بالنفط وواردات الدولة من التجارة والصناعة والزراعة، والبترول الذي ينبغي أن يكون لكل مواطن فيه نصيب ولنقل حد الكفاية أما أن لا يدخل في الميزانبة العامة فنصفه لأسيادهم ونصفه يصب في جيوبهم التي امتلأت به بنوك أسيادهم من الكفرة والمجرمين؟. 
13/ من ثبت عليه أنه محارب ثبت عليه حكم الردة لأن ممارسة أفعال الكفر تعتبر دخولا في الكفر وأن مفردة "حرابة" ومشتقاتها في اللغة تدل على كل فعل له صلة بالحَرَبْ والذي يعني الغصب بترويع، وهذا بتعريف الفقهاء أنفسهم فانظر :
* انكار الدين والإستهزاء به تسمى في الشرع حرابة.
* منع رفع إسم الله تعالى في المساجد والصد عنها عباد الله، تسمى في الشرع حرابة، فكيف بتدميرها والعبث فيها؟.
* اتخاذ المساجد للضرار وإرصادا لمن حارب الله ورسوله تسمى في الشرع حرابة.
* ولما كانت الغارة على البلد تقتضي اشهار السلاح في دار المسلمين التي هي ليست محلا للحرب وإنما دار الكفر ومن أعلن الحرب وشن الغارة على الآمنين، غير المقاتلين من الشيوخ والنساء والأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة في دار المسلمين، سمى ذلك في الشرع حرابة، ﴿إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًاالنساء/98.
* ولما كان من أهداف المحارِب سرقة المال وغصبه سمى ذلك في الشرع حرابة.
* حتى الذي يدل على المختبئ أو على مال يمكن سلبه سمى في الشرع محاربا.
* يجب على من يثبت عليه فعل الحرابة، الديّة والقصاص وإعادة ما أخذه والعوض عن كل شيء أتلفه، متقوم كان أم غير متقوم، وتعقله عشيرته أو بلده، ولا يسقط الحق بالتقادم، فمتى قبض عليه طولب به، وليس لولي المحروب العفو والتنازل عن الحد، والمحارِب مشكول الذمة عند الله تعالى.
وقد أورد ابن عابدين في حاشيته أن الصغير والمجنون لا يقام عليهما الحد، وإنما يغرمون المال والديّة من مالهما أو من عاقلتهما، ([14]) كما ذكر ذلك الفقهاء في كتبهم وقد أجمعوا على ذلك. ([15])
وأورد الطبري في كتابه المحاربين أقوالهم وقال: إذا ثبت ذلك فإن الصغير والمجنون لا يحدان ولو باشرا القتل وأخذا المال، فيضمنان ما أخذا من المال من أموالهما وتكون ديّة قتيليهما على عاقلتهما كما لو أتلفا مالا أو قتلا في غير المحاربة. ([16])
      * وقد ثبت أنه لا فرق فيما إذا كانت الحرابة من المسلم أو من غيره ،كانت حرابة، فلا خلاف أن المسلم إذا حارب وتوافرت فيه شروط الحرابة يقام عليه الحد، لأنه مخاطب إجماعا بشرائع الله تعالى وملزمٌ باتباع أحكامه، فيأتمر بأمره ويجتنب ما نهى عنه، فمن خالف في شيء من ذلك فتترتب عليه أحكام هذه المخالفة دنيوية وأخروية، وأما من غير المسلم ففيما يلي تفصيل لذلك.

حكم الحرابة من غير المسلم:
اما إذا حصلت الحرابة من ذمي أو معاهد أو مستأمن أو مرتد فهل يكون كالمسلم في ذلك ؟ أما الذمي فللعلماء فيه قولان كما يلي :
القول الأول: أنه كالمسلم يقام عليه الحد إذا حارب واكتملت فيه الشروط، وقد أخذ بهذا الحكم الحنفية([17]) والمالكية([18]) وجمهور الشافعية([19]) وبعض الحنابلة([20])، وقالوا إن الذمة تستلزم كونه مثل المسلمين في جريان الأحكام عليه، له ما لهم وعليه ما عليهم، فلذلك فإنه إذا حارب الذمي أقيم عليه حد الحرابة ، فأهل الذمة والمسلمون سواء في إقامة حد الحرابة عليهم.
القول الثاني: أنه ينتقض عهد الذمي بالحرابة، فيستحل دمه وماله بحرابته هذه، وهذا قول عند الشافعية([21])
وهو قول  جمهور الحنابلة([22])، ومذهب الظاهرية ([23])، لأنها واحدة من الأشياء التي فيها ضرر عام على المسلمين، فينتقض عهد الذمي بذلك، ولأن الله تعالى قال: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ التوبة/29.
وليس المراد أن يكونوا صاغرين حال تناول الجزية منهم فقط، ويفارقهم الصغار فيما عدا هذا الوقت، فإن هذا باطل قطعا، بل إن ذلك مطلوب منهم على وجه الدوام، وإذا علم هذا فمن جاهر المسلمين منهم بالمحاربة وقطع سبلهم وأخاف طرقهم وافسد في أرضهم وسفك دماءهم وانتهك أعراضهم وسلب أموالهم فقد نقض عهده، واستحق حد الحرابة .
    وقد أطال ابن القيم في الإنتصار لذلك في كتابه " أحكام أهل الذمة"([24]) وذكر أدلة كثيرة على ذلك فافاد وأجاد، والخلاصة أنهم ينبغي أن يكونوا تحت الذلة والقهر ولازمة الصغار، وأن يكونوا خاضعين لسلطان الإسلام، فإذا حصلت منهم الحرابة، كان ذلك منهم مناقضا لعهد الذمة الذي عاهدناهم عليه، ومما يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل في شروط العقد مع أهل الذمة: "وأن من ضرب مسلما فقد خلع عهده ([25])" فإذا كان ضرب المسلم خلعا للعهد ونقضا للذمة، فإن المحاربة لله ورسوله والسعي في الأرض فسادا، وما يحصل في ذلك من القتل وانتهاك الأعراض وسلب الأموال وإخافة المسلمين، تُعد نقضا للعهد من باب أولى،([26]) قالوا وعلى هذا تجري الأحكام على المتسأمنين والمعاهدين والمحاربين وهم أهل الهدنة، إذا غدروا وحاربوا والمرتدين المحاربين كذلك على تفصيل عند الفقهاء.

* ملاحظة :  
إذا كان ما سبق بيانه حكم من طغى وأعلن الحرب من الكافرين أو المسلمين أو المستأمنين على المؤمنين في
دار الإسلام فكيف يكون الحكم إذا وقعت الحرابة والإعتداء على المؤمنين وهم يعيشوا في دار الحرب، أن الذين يسكنون في بلاد الكفر أو التي اصطلح العلماء على تسميتها "دار حرب" وهي الأرض التي لا تحكمها شريعة الله تعالى حتى لو كان فيها مسلمون ويصلون ويزكون ويصومون ويحجون ، باعتبار أن "دار الإسلام" هي التي يقام فيها شرع الله تعالى، وأن المسلمين الذين يرضون العيش بين الكافرين هم رضوا مسبقا أن يحكمهم الحكام بغير شرع الله تعالى، يعني هم رضوا على أنفسهم ظلم حكامهم سواء كان الظلم قليلا أو كثيرا، خف ضرره أو عمّ وطغى، فالسكوت على تحكيم غير شرع الله، والرضا بأي حكم غير حكم الله، هو المبرر لظلمهم وهو المسوغ لأذيتهم، وهم الذين تنازلوا عن حقهم في العيش بأمان، وبإسقاط النصرة لهم من إخوانهم، وليت الحكام رضوا وقنعوا بهذا التنازل، بل كان ذلك مدعاة لزيادة الظلم والبغي والطغيان، فلا يد علينا في نصرهم إذا ظُلِموا، وهذه قضية لم تكن معهودة من قبل وهي مما استجد وعمت بها البلوى، فلم نسمع بأحد من المسلمين رضي العيش في أي دار حرب حين كان للإسلام داره التي ترفل بالعز والأمان، واليوم قد تبدل الحال فما يجد المسلم في كل بقاع الدنيا دار إسلام بالمعنى الصحيح، يأمن فيها على نفسه وعرضه وماله يتروّح فيها نسمات العز ، بل أمست كل ديار المسلمين ينطبق عليه توصيف دار الحرب رغم أن مجموع الأمة يصلون ويصومن ويحجون ويزكون، وذلك لفقد الشرط الأساسي الذي يجعلها دار إسلام وهو الحكم بشرع الله بينهم، ومما زاد من المصيبة أن حكام الغرب الصليبي أو العلماني نجدهم أرحم من حكام دولهم العربية وأقل ظلما واستبدادا وهذا كما قلنا مما عمت به البلوى ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتلك سنة
الله التي لا تبديل لها ولا تحويل.
* وليعلم المسلمون من الذين تقع على عواتقهم نصرة هذا الدين وتحكيم شرع الله في حياتهم وقعدوا عن ذلك، ورضوا بحكم الظالمين بغير شرع الله، أنهم لا بد وأن يدفعوا ضريبة الذل على قعودهم، من دمائهم وأعصابهم وكراماتهم وأموالهم، أضعاف أضعاف ما دفعوه لو كانوا قد ثاروا على الكافرين وأقاموا شرع الله في أرضهم، لكنهم رضوا بالهوان فهانوا، وينبينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تبًايعتم بًالعينة وأخذتم أذناب البقر ، ورضيتم بًالزرع ، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم}،([27]) فالرضى بالعيش الهوان وترك الجهاد سبب رئيس للذل ولا يرفع إلا بالعودة إلى هذا الدين والجهاد في سبيل تحكيمه في الأرض، ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا الإسراء/8 .

15 - الحرابة وعلاقتها بالبغي : 
البغي في الأرض بغير حق إنما هو من الظلم الذي حرمه الله بين الناس في أي صورة من صوره، وإذا وقع البغي في الأرض بغير حق فإنما هو من الإرهاب الذي حرمه الله، وهو من أكبر الفواحش وصور الإثم فقد جاء مقرونا به ومتبوعا بالشرك، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُون الأعراف/33 ([28]).
ومما ينبغي أن يكون معلوما من الدين بالضرورة أن البغي له حالات وصور عدة فصوره غير متساوية فقد يكون من الكافرين بغي ومن المؤمنين بغي آخر فهو نوعان:
الأول :- نوع يتعلق بطائفة من المؤمنين فإذا كان من طائفة على طائفة وكلاهما مؤمنين فهذا له حكم خاص به، فإن مما ينبغي أن يعلم ،أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب بين المسلمين والمسلمين أبدا، وليس في كل أحكام الإسلام ما يبرر قتال المسلم مع المسلم ولا أن يرفع السلاح في وجهه حتى لو كان مازحا – وسيأتي بيان ذلك – فـ {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار}،([29])وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلنم من مشى في السوق شاهرا سيفه أو لم يمسك بنبله فكيف من يوجهها نحو أخيه ؟ فإذا وقعت مواجهة بين طائفتين من المسلمين فلا بد من تهدئة الأمر والإصلاح بينهما وبيان ما كان سبب خلافهما  ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فالأصل أن يكون هناك نص إختلفا في تأويله، حيث كان لكلا الطائفتين تأويل في إسقاط النص المختلف عليه،  ولا بد أن يكون تأويل أحداهما صالحا والآخر فاسدا، لأنه لا يعقل أن يتحاربا إذا كان تأويل كلاهما صحيحا، وهذا أيضا على تفصيل عند الفقهاء، فإن رفضت إحداهما النزول عن رأيها والإنصياع للحق تكون قد بغت على الحق إحداهما ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّه﴾﴿ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وحتى إن لم تفيء إحداهما وركبت رأسها وعاندت ولم تنتصر وهربت فقد انتهى أمرها ، فلا تجري عليها أحكام الحرب وإنما لها أحكام خاصة بها فلا يطلب هاربها ولا يجهز على جريحها ولا يفدى مقتولها ولا يقسم فيئها، فالبغي له أحكام غير أحكام الحرب أو الحرابة، ومن المهم أن نعرف أن البغي حالة خاصة ربما تحدث في المجتمع المسلم لكنها نادرة جدا، ولا علاقة لها بالحرابة.
وعليه ينبغي أن يُعلم، أن حربا بين طائفتين وكلاهما على الحق لا تقوم، لأن كلا الحقين متفقين في الأصول، وإن اختلفا في الفروع، وحربا بين طائفتين إحداهما على الحق والأخرى على الباطل فإنها تقوم لكنها لا تدوم، لأن الله تعهد بالنصر للحق وللباطل بالخذلان، ولأن الله قضى للمؤمنين بالنصر وبقطع الدابر للظالمين، ولكن إذا رأينا حربا قائمة ودائمة فلا بد أن تكون بين باطل وباطل، وذلك لأن كلا الطرفين لا يستحقان نصر الله.
والحقيقة أن من رحمة الله تعالى أن جعل لكل باطل باطل يقاومه، وإلا لعاثا في الأرض فسادا، بل والأعجب من هذا أن جعل الله للحق جنودا ينتصر بهم منهم الباطل، فكلما تمادى الباطل في ضرب الحق وأهله سارع بيقظة أهله وصحوتهم، فكلما اشتدت الضربات قوة، عجلت باستيقاظ الحق، ولكن الكافرين لا يفقهون.
الثاني :- يتعلق بطائفة من غير المؤمنين  فإذا كان من غير المؤمنين كالكافرين والمشركن والظالمين عموما ويدخل في الظالمين المسلمون المحاربون، فإنما هو إرهاب محرم وجريمة يعاقب عليها الشرع بإعتبارها حرابة نزل فيها الحكم في الآية المعروفة، وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيالمائدة/33.
وعليه فإن كل طغيان واستعلاء على الناس إنما هو بغي في الأرض بغير الحق، ضرب القرآن الأمثلة عليه في القرآن وأوجب الخروج عليه بالقوة وإلا لعاث في الأرض فسادا.
وتأسيسا على ما سبق فإن المعنى المشتق عن مفردة "الحرب" والتي نعني بها "الحرابة"، والتي ذكرها القرآن، تعني قيام جهة مسلحة فردا أو مجموعة أو حزبا أو دولة، ملكت القوة فقامت بعملية هجوم على فرد أو طائفة أو قرية أو مدينة أو بلد، وأهله غير مستعدين ومباغتين لهم فاخافوهم وروّعوهم وقتلوا منهم وسفكوا دمائهم، واعتدوا على أعراضهم سفاحا واغتصابا، وأخذوا أموالهم ووأتلفوا منها ودمروا عليهم مساكنهم، وقتلوا الشيوخ والشباب والنساء والأطفال الأبرياء، فهذه محاربة لله ولرسوله ولعباده ومفسدين في الأرض، فهذه حرابة دولية، وهذا بغي في الأرض بغير الحق وهذ إرهاب منظم في أبشع صوره في حق قوم عصمت دماؤهم واعراضهم وأموالهم إلا بحق الإسلام.
ومن المعلوم من الدين بالظرورة أن الحدود تعطل إذا مر يوم أو أيام وليس للمجتمع المسلم سلطة تنفيذية أو قضائية، عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعنه ابو لؤلؤة الفيروز المجوسي، وعرف إبنه عبد الرحمن خرج فقتل الفيروز، وارادوا أن يقيموا عليه القصاص، درئ عنه الحكم بشبهة أنه فعل ذلك في وقت غياب خليفة المسلمين وولي أمرهم في أمر نافذ، والعجيب أنهم أرادوا القصاص من عبد الرحمن ابن خليفة المسلمين، لمجوسي مستأمن وليس مسلما، وحتى لو كان مسلما فقد ارتد بالقتل الذي لا يقع من مؤمن عمدا أبدا، فالمسلمون معصوموا الدم والعرض والمال، ومن استحل من ذلك شيئا، فالحدُّ والقصاص والعوض، والتفصيل معروف.
والمصيبة أن كثير من الناس - والعلماء على وجه الخصوص - لا يفرقون بين الحرب وبين الحرابة، فالذي يتعرّض له المسلمون اليوم في الشام ومانيمار وقبل ذلك في العراق، هي حرابة دولية من طوائف عديدة  كاليهود والنصارى وطائفة الرافضة وطائفة النصيرية التي هي أكفر من اليهود والنصارى، وبتأييد من ربيبة الشر أمريكا ومن حكومة الرفض في إيران التي لا يختلف في كفرها عاقلان، والأحزاب العميلة لأسرائيل والموساد، كحزب اللات والحرس الثوري وحزب الدعوة وجيش الضال، وإن كانت كلها تنعق وتنهق بأن عدوتها إسرائيل وأمريكا، والمتعة بينهم دائرة والدعارة السياسية بينهم رائجة، والحقيقة أنهم  يضحكون على جماهير السذج من المسلمين .
ثانيا: مفردة "الإرهاب"، الإرهاب كلمة ضخمت بما نفخ فيها من الوهم، ووجهت إلى غير أصحابها، وهي – كما أظن - جزء من الحرب النفسية والإعلامية، وقد أدت مفعولها ولا تزال، وستبقى تؤدي دورها ما دامت الأمة تجهل معناها وحقيقتها على وجه الدقة.
ومما ينبغي أن يعلم أن هناك فارق بين مفردة الإرهاب، وما يشتق من معناه وهو الترهيب، والترهيب يختلف عن الإرهاب في كون الترهيب يتعلق بالجهة المعنوية والإرهاب يتعلق بالجهة الفعلية، والتي تحمل إيقاع الرعب والخوف والقتل والسرقة وما إليها في الآمنين، بينما الترهيب مجرد الإخافة النفسية والتحذير من اتيان الشيء الممنوع أو المحذور.
وأجد أن هذه القضية مهمة جدا في بيان دلالة المفردات التي طرحها القرآن الكريم حقا، ويطرحها أعداء الإسلام و المسلمين باطلا، فهم حين اتهموا الإسلام والمسلمين بالإرهاب، فإنما هم غيروا وحرّفوا الكلام عن معناه الحقيقي، ومن بعد معرفته وربما من بعد ما عقلوه، وهذه صفة موجودة ومتحققة فيهم، لا يجادل فيها إلا كل خوان أثيم، وهم يشيرون صراحة إلى قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْالأنفال/60، والتي يستدلون بها على وجود الإرهاب في كتاب المسلمين وثوابتهم الأصولية، وكذلك الحال فإن المسلمين يستدلون بها دون  تحقيق ولا تدقيق في معنى هذه الآية، ويقولون نعم الإرهاب موجود في القرآن، ومن ينكره كافر، لأنه جاء صراحة في القرآن، وعليه فنحن إرهابيون، وهذا منهم قصر نظر سامحهم الله، وجهل بحقيقة المعاني التي تحتملها الآية، وتحميل النص أكثر مما يحتمله.
وتأصيل ذلك: هو أننا أمرنا أن نعد لهم ما نستطيع من أنواع القوة والتي تعني -كما ذكرنا -كل ما ينفعنا في مجابهتنا لأعدائنا من الخارج، ويشمل العدد والعدة والعتاد وغير ذلك مما نستقوي به على الأعداء من القوة الخارجية.
أما بلوغ حالة البأس الشديد فهي من المفترض أن تكون موجودة ومتحققة أصلا في الأمة المسلمة، والتي تعني الثقة بنصر الله واليقين المستبصر بتحقيق وعد الله، وأن لنا أحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، فمن خلال إعداد القوة وإظهارها لعدو الله وعدونا بصورة تجعلنا نرهبهم بها، أي نزرع فيهم الخوف والرهبة النفسية فيحسبوا أننا الغالبون لهم لا محالة، وهذه تسمى اليوم قضية أو "نظرية الردع العسكري"، والتي قد تتخذ أشكالا وكيفيات متعددة، فعن طريق نشر الأخبار، والمبالغة فيها فيما يملكه هذا الجانب، ليخيف ويرهب عدوه، من طيران وصواريخ ودبابات وما إليها، أو عن طريق الإستعراضات العسكرية والمناورات البحرية والجوية وما إليها، المهم أن يزرع الخوف في قلوب الأعداء، وهذا شيء مشروع ومباح، وحين دعا إليه القرآن فهو من هذا الجانب الذي يستسيغه ويعلمه الجميع، فهو ترهيب وليس إرهاب، أما ما تفعله الجماعات الظالمة والدول المجرمة، والتي تمارس الإرهاب المتمثل بكل أنواعه، وبأعلى مستوى من الوحشية والهمجية، من قتل بالجملة دون تفريق بين كبير وصغير وبين محارب ومسالم لا دخل له في القتال، وسلب ونهب وتدمير الأموال، واعتداء على الأعراض والممتلكات.
ولقد روت لنا كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد استعمل هذا الأسلوب "أسلوب الترهيب"، حين قاد جيوش المسلمين لدخول مكة بعدما غدرت غطفان وأغارت على خزاعة فقتلت وسلبت واعتدت على الآمنين بليل، وكان قد عقدوا عهدا بالهدنة والأمان لعشر سنوات، فاعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم نقضا للعهد، فعسكر بجيشه على مشارف مكة، فلما عرفت قريش أوفدت من رجالها أبو سفيان ونفر معه، فلما علم النبي بمقدم أبي سفيان قال: " أروهم من أنفسكم اليوم قوة " فكان أن توزع الجيش وأشعلوا نيرانهم حتى ملأت الوديان، فلما جاء أبو سفيان ومن معه، نظر فوجد أمرا مهيبا فقال: لقد بلغ من شأن محمد أمر عظيم ، فناشده أن لا يدخل مكة هذا العام وأن يسمحوا له بدخولها في العام القابل بدون قتال، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم استعرق قوة الجيش فأحدث الرهبة في قلوب الكافرين، وهذا هو معنى الآية " الترهيب" وليس الإرهاب، كما يفهمه ظاهرا من لم يحط بالآية علما.

16 - الحرابة ومسؤولية العلماء :
 سؤال أتَوجه به إلى العلماء ! اليس غريبا على أمة فيها هذا الكم الهائل من العلماء؟ فيهم من كل ألوان الطيف العلمي، في التفسير والحديث واللغة والفقه والأصول والفكر الإسلامي وأصحاب شهادات وخطباء وأئمة مساجد، ثم لا يكون لهم كلهم على كثرتهم – إلا من رحم ربك - أي موقف إزاء ما يجري من أحداث جسام، تشيب لهولها الرؤوس ثم لا يحرك أحدهم ساكنا لنازلة في أرضنا وداهية على أمتنا؟، ترمي بثقلها الإيماني والعقدي والأخلاقي على القلب والحس والضمير، إنها قضية الحرابة ياعلماء الأمة، نعم الحرابة الممنهجة التي تتعرض لها أمتنا كل حين، علي أيدي المرتدين، الذين هم صنائع الموساد وربائب الإلحاد، جنود الدجال الذين جندهم النظام العالمي الجديد بأقطابه العالمية الثلاث، والتي تستتر خلف التحالف الثلاثي المنجس: الصهيو صليبي صفوي، والذي صال بأرضنا واحتل مقدساتنا ونهش أعراضنا وقتّل أولادنا ونهب أموالنا وممارسات وحشية أدمت قلوبنا ؟؟.
والذي زاد من المصيبة أن الذين ينبغي أن يكونوا أول المتيقظين، والقائمين من الزحف والنافرين إلى السلاح والمحرضين على الجهاد هم العلماء، وأن مسؤولية الأمة والدين والمقدسات على عاتقهم قبل غيرهم، وأن مسؤوليتهم أكبر من مسؤولية الجميع في كل بلاد المسلمين، حتى أنها أكبر من مسؤولية حكامهم في التصدي لحرابة الظالمين، في كل مكان لإنقاذ المسلمين وما بقي من كرامتهم ومن عزتهم وأموالهم، ولإيقاع حدودها التي بينتها الآية على المحاربين، وقعودهم عن التصدي لهذا التحدي، وهم يرون انكفاء الأمة بذلة وتقزم وتشرذم، أمام أسفل سافلين من الكافرين، أمر مستنكر ومرفوض جملة وتفصيلا.
والعجيب أننا نرى من حماقة البعص أنهم يتوجهون إلى ما يسمى الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات التي تنادي بحقوق الحيوان أكثر مما تنادي بحقوق الإنسان، يطلبون منهم التدخل لوقف المجازر وهم أصلا أصحاب المسالخ التي يعمل فيه الجزارون، ماذا ينتظر العلماء؟؟ ماذا ننتظر؟ والله تعالى يقول: ﴿الآ تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم ... وهم بدؤوكم أول مرة ... أتخشونهم؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين / ؟ الا تقاتلون قوما قتلوا المستضعفين من الشيوخ والنساء والأطفال واغتصبوا الحرائر؟؟ ولسان حالهم يقول: ﴿قاتلوا في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ماذا تنظرون لتعلنوها مقاومة عالمية تحرق عليهم اليابس والأخضر؟ ألم يحذركم الله الفتنة ﴿واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، ماذا سنقول لله ﴿واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، ألم يأمركم بقتالهم حتى يكون الدين في الأرض كله لله فقال تعالى في أكثر من موضع ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله لم يعد الدين اليوم كله ولا بعضه – في كل الأرض – لله وإنما غدى للكافرين والظالمين والفاسقين والملحدين والمنافقين، وكانت فتنة لا يعلم مداها إلا الله.
مع العلم البديهي بأن مسؤولية العلماء أكبر من مسؤولية الجميع في كل بلاد المسلمين، حتى أنها أكبر من مسؤولية حكامهم في التصدي للحرابة، في كل مكان لإنقاذ المسلمين الذين باتوا مستظعفين، ولإيقاع العقوبة التي بينتها الآية على المحاربين، وقعودهم عن التصدي لهذا التحدي، وهم يرون انكفاء الأمة بذلة وتقزم وتشرذم، أمام أسفل سافلين، يطلبون منهم التدخل لمنع المجازر وهم أصلا المخططون والمحركون للأحداث، فماذا ينتظر العلماء؟؟ لماذا لا تعلنوها مقاومة عالمية في كل بلاد المسلمين، ولو فعلتم ما عتب عليكم أحد قوم ظلموا فثأروا لأنفسهم ولإخوانهم ولإعراضهم، وستناصركم هذه الشعوب التي تحيط بكم كالبحار من المسلمين حولكم قد قاربت المليارين، تضنون مالكم من تأثير؟، والله لوكنتم ضفادع لملئتم الأرض بنقيقكم ولمات الكافرين، والله لو كنتم أحقر من ذلك، لو كنتم ذبابا لملئتم الدنيا على أعدائكم طنينا، فمتى تتحركون؟؟؟

















تفسير الطبري حاشية احمد شاكر.
طبقات ابن سعد
تفسير ابن كثير،
مجمع الزوائد
المفردات في غريب القرآن الراغب الأصفهاني،
صحيح البخاري
حاشية ابن عابدين ج
اختلاف الفقهاء / ص/ 258.
بدائع الصنائع / 9/ 4283،
غرر الأحكام
مواهب الجليل
نهاية المحتاج
وبدائع الصنائع
بداية المجتهد
نهاية المحتاج
المغني
المنهاج
المحلى لأبن حزم
أحكام أهل الذمة
الحرابة – دراسة مقارنة
سنن أبي داود
القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب - كتاب البيان - للدكتور: محمد عبدالله السلومي،
صحيح مسلم







[1]  / تفسير الطبري 10/248 ، حاشية احمد شاكر.
[2]  / انظر طبقات ابن سعد 2/1/67
[3]  / انظر تفسير ابن كثير، 3/139
[4] / الراوي:   محمود بن لبيد الأنصاري المحدث:الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 7/145 ،خلاصة حكم المحدث: فيه محمد بن عمرو بن علقمة وحديثه حسن وفيه ضعف لسوء حفظه وبقية رجاله رجال الصحيح‏‏
[5]  / الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص/338.
[6]  / الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 49، خلاصة حكم المحدث: صحيح
[7]  / قلت هناك آيات لم تحضى بالتفسير الكامل والبيان الشافي لأسباب كثيرة أهمها هي أن الآية لها علاقة بظرف وواقع يختلف عن ظرف وواقع المفسرين، مع التأكيد على أن المفسرين لم يقصروا في شيء رحمهم الله تعالى، إلا في الإستشهاد بالإسرائيليات.
[8] / لراوي: عبدالله بن مسعود المحدث:البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6044 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
[9] / الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2888 خلاصة حكم المحدث: صحيح
[10]  / في الشام اغتصبت أعراض العفيفات الصغيرات حتى بعمر العشر سنين، حتى الحوامل لم تسلم من ذئابهم حتى اخرجوا جنينا من رحم امه وهي ميتة
[11] / الراوي: أبو هريرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2617. خلاصة حكم المحدث: صحيح
[12]   / في الشام بلغ ترويع الأطفال والنساء حتى قالوا أن 80% من الأطفال يموتون بالرعب قبل أن يقتلوهم وانظر الوحشية التي يدخلون بها على البيوت المسكينة التي لم يحمل وليهم السلاح ولا قاتلهم حتى يعتبروه محاربا
[13]  / من المؤسف جدا أنك تجد في بعض المواقع الإسلامية إعلانات فيها صور لأطفال يبكون وهم بأوضاع مأساوية وهي تدعوا الناس إلى التصدق على أهل البلد المنكوب بالحرابة الواقعة عليها من الحكومة نفسها، تصدقوا على أهل الشام ، إخوانكم في منيمار يستنجدون العالم ، المسلمون في ... هذا من جهة ومن الأخرى فإن هذه المساعدات هي في حقيقتها إنما هي عبارة عن حق كل واحد من هؤلاء المشردين من البترول في أرضه تأخذه الأمم المتحدة فتعطي الدولة التي لجأ اليها المشردون نسبة من هذه الأموال وتعطي اللآجئين ما يسد رمقهم والباقي لها، يعني جعلونا كالخراف يعطوننا طعاما لياخذوا أضعاف قيمته من حقنا فيه، يعني بمعنى آخر أعادوا تجارة الرقيق في أخس صورها واكبرها حجما، فلا أدري إذا لم يكن هذا إفساد في الأرض فكيف يكون الفساد؟.
[14]  / حاشية ابن عابدين ج/4 – ص/113.
[15]  / اختلاف الفقهاء / ص/ 258.بدائع الصنائع / 9/ 4283، غرر الأحكام / 2/ 85، مواهب الجليل/ 6/ 314.
[16] / أنظر نهاية المحتاج / 8/4،
[17]  / وبدائع الصنائع / 9/ 4227.
[18] / بداية المجتهد/ 2/341.
[19] / الأم / 4/ 109. ونهاية المحتاج / 8/3.
[20] / المغني/ 10/ 310، والشرح / 10/ 310.
[21] / المنهاج / 134.
[22] / المحرر / 2/ 188. أحكام أهل الذمة .
[23] / المحلى / 8/ 381.
[24] / أحكام أهل الذمة / 2/ 798.
[25] / المصدر السابق/ 2/ 789.
[26] / الحرابة – دراسة مقارنة / ص/ 42.
[27]  / الراوي: عبدالله بن عمر المحدث:أبو داود - المصدر: سنن أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3462 ، خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح]
([28]) القطاع الخيري ودعاوى الإرهاب - كتاب البيان - للدكتور: محمد عبدالله السلومي، ص114.
[29] / الراوي: نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة المحدث:مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2888 خلاصة حكم المحدث: صحيح